للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دعوة المظلوم]

قيل لـ خالد بن يحيى البرمكي، والبرامكة أسرة عباسية تولت الوزارة في عهد هارون الرشيد، فعاثت في الأرض فساداً، كان تطلي القصور بالذهب وماء الفضة، زرعوا حدائق وبساتين، عسفوا وظلموا، ثم أغضب الله عليهم أقرب الناس لهم - هارون أُغضب في دقيقة واحدة- فأخذهم فقتل شبابهم وأخذ شيوخهم فأودعهم السجون، منهم خالد الذي ما رأى الشمس سبع سنوات -ذكر القصة ابن كثير - صار الشيخ الوزير الكبير، عجوزاً هزيلاً، وقد طالت أظافره -ما وجد مقراضاً يقلم أظافره- وقد سقطت حواجبه على عينيه، وقد شابت لحيته ورأسه، وأصبح في ثياب ممزقة وفي بأس، قال له ابنه وهو معه: لا إله إلا الله! بعد النعيم والوزارة أصبحنا إلى هذا المكان! لماذا؟!

قال هذا الرجل وهو يبكي: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل، غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها، وقال: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين:

جاءتك تمشي رافعاً ذراها أولها ردت على أخراها

دعوة المظلوم أسبق من الضوء.

قيل لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ كم بين العرش والتراب؟! أيجيب بالأميال، أو بالكيلو مترات، قال علي: وحسبك بـ أبي الحسن، قال: [[بين العرش والتراب دعوة مستجابة من مظلوم يرفعها الله على الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين]] وفي الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل معاذاً إلى أهل اليمن فقال له في آخر الحديث: {إياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب}.

الإمام أحمد ظلمه ولاة السوء وأهل البدعة، وتولى ظلمه أحمد بن أبي دؤاد أحمد أهل البدعة، وأحمد أهل السنة أحمد بن حنبل وابن الزيات ورجل آخر.

قال الإمام أحمد لـ ابن الزيات: اللهم عذبه في دنياه، اللهم اسلب نعمته، وقال لـ أحمد بن أبي دؤاد: اللهم احبسه في جسمه.

فـ أحمد بن أبي دؤاد أصابه الفالج، وكان يبكي ويقول: أما نصفي هذا فلو قرض بالمقاريض ما شعرت به، وأما نصفي هذا فلو وقع عليه الذباب ظننت أن القيامة قامت.

وأتى ابن الزيات فأغضب الله عليه الخليفة فقطع يديه، وأدخله فرناً حاراً وسمر المسامير في أذنيه، وهذا إثم من قصر في علمه، فإنه يستوجب دعاء المظلومين ودموعهم الحارة، فكم وراء الأبواب من مظلوم، ومن محتاج ومقصر لا يستطيع رفع حاجته، ولا إيصال معروضه ولا كتابته، وهذا واجب المسئول الذي يعلم أنه سوف يحشر عرياناً يوم العرض الأكبر على الله.

قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:٩٤].

مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمورُ

يوم يشيب لهوله الولدان من أسف ويأكل كفه المثبورُ

هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف الذي مرت عليه دهورُ

كيف الذي مرت عليه سنوات وهو ظالم، ظالم في عمله لا يؤديه على أكمل وجه، لم ينصح لولاة الأمر، ولا نصح للرعية، ولا نصح في الوقت، ولا نصح في الراتب الذي يأخذه، ولا نصح بينه وبين علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى من السر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>