وقوله عليه الصلاة والسلام:{وكره لكم: قيل وقال} من معانيه عند أهل العلم: نقل الكلام على وجه الأذية، أو للإفساد بين متحابين، أو إثارة الفتنة بين الناس، فإن هذا مذموم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:{لا يدخل الجنة قتات} وهو الذي ينقل الكلام، وفي رواية:{نمام}.
وقيل: إن (قيل وقال) هو الفارغ بلا عمل الذي يجلس في مجالس الناس، ويقول: قالوا وسمعت، وقالوا وقلنا ويقولون، وقال صلى الله عليه وسلم:{بئس مطية الرجل زعموا} وهي مطية كل رجل مخذول مرذول ليس له ثبات في الإيمان، وقيل: المقصود عدم التثبت، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء:٣٦] فعدم التثبت من الأخبار ونقل الشائعات أمر مرذول محرم على المسلم لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:٦] ولذلك تجد أحدهم يصدق الشائعة وهي الكذبة تطير في الآفاق، وهؤلاء مغضوب عليهم عند الله عز وجل، وهم الذي يأخذون الكلام بغير تثبت، ولا يسندون أخبارهم، ولا يتثبتون، فيكونون هم مصدر الإشاعات وتربيتها في الناس ونشرها.
وقيل: الردود والجدل؛ وهم الذي يتشاغلون في حياتهم بالجدل، وما أعرض قوم عن كتاب الله إلا أوتوا وأورثوا الجدل، فإذا رأيت الإنسان ترك العلم الشرعي وبحث المسائل والتحقيق؛ ابتلاه الله بالجدل، فيعيش مخالفاً دائماً، وسوف يأتي كلام عن المعضلات، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:{من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه} فإذا تركت مالا يعنيك كفاك الله عز وجل ما يعنيك، وساعدك في أمورك وأيدك وسددك، أما إذا تشاغلت بشيء لا يعنيك ابتلاك الله عز وجل فما قمت بما يعنيك.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لـ معاذ كما في الترمذي وأحمد {كف عليك هذا.
قال: وإنا لمؤاخذون -يا رسول الله- بما نقول؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم}.
ويروى:{من صمت نجا} ولا ينجو العبد إلا إذا أمسك لسانه عن فضول الكلام وعن الغيبة والنميمة والزور ونقل الشائعات، وعن الافتراء والتعرض للمسلمين، قال عليه الصلاة والسلام لـ عقبة بن عامر وقد قال له: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال:{كف عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك} رواه الترمذي وهو حديث حسن.
فكف لسانك أي: احبسه، قال ابن مسعود:[[والله ما شيء أحق بطول حبس من لسان]] وكان أبو بكر يبكي ويمسك لسانه ويقول: [[هذا الذي أوردني الموارد]] وكان ابن عباس يقف ويبكي على الصفا ويأخذ لسانه ويقول: [[يا لسان قل خيراً تغنم أو اسكت عن شر تسلم]].
وما أهلكنا إلا ألسنتنا، فنسأل الله عز وجل أن يسدد منا القول والعمل، وأن يجنبنا وإياكم الفتن والزلل والمحن، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:٧٠ - ٧١].