[أحوال المسلمين في هذا العصر]
هل داومنا على الصلوات الخمس كل فرض في المسجد؟
هل دعونا جيراننا إلى المساجد صباح مساء؟
هل والينا في الله، أحببنا في الله وأبغضنا في الله؟
هل أخذنا على يد الفاجر السفيه الذي يريد أن يردينا في النار؟
وقلنا: لا.
خف الله لا نريد الباطل.
نرى الباطل ونؤيد على الباطل إلا من رحم الله، وأنا أتكلم لأنني أعرف، ونحن أهل قرى وقبائل، نعرف المآسي التي يعيشها الكثير من القبائل.
نعم! يرون الباطل ولا يقومون في وجه الباطل، ويرون حدود الله تنتهك ومحارم الله ترتكب ولا يغضبون.
أنا أتكلم عن قبيلتي أنا، فكيف ندعو الله في القطر؟!
وكيف نقول نحن نحب الله؟!
وما هي أعمالنا؟!
السفيه يؤيد، والفاجر يسدد، ولكن لا يجد صاحب كلمة الحق من يعضده ويقوم معه، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩] إي والله لبئس ما كانوا يفعلون.
يرون الفاجر ويسكتون، والمعصية ولا يتكلمون، ولا تتمعر وجوههم, وأحدهم لو انتهك شيء من ماله أو ولده أو تكلم على عرضه وسُب، قامت الدنيا وقعدت، وأخذ السلاح وقاتل، أما حدود الله فتنتهك ولا أحد يغضب، المساجد تهجر، الأغاني الماجنة تنتشر، الحجاب يترك، السفور يوضع ويوقع، والمرأة لا تتقي الله عز وجل في البيوت، إلا من رحم الله.
سبحان الله! الربا يتعامل به، الرشوة، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الغيبة في المجالس، الاستهزاء والاستهتار بالصالحين، ونقول: الله يرحمنا نحن على خيرٍ إذا خفنا الله، نحن على خيرٍ إذا اتقينا الله عز وجل.
الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أرسل جبريل عليه السلام وقال: إن أهل تلك القرية قد عصوني، وتمردوا على حدودي، وأكلوا نعمي، وتجرءوا على حرماتي فخذهم، وجبريل إذا أرسله الله له ستمائة جناح، الجناح الواحد يكفي لأن ينقل قرى الجنوب كلها مرة، قرى قوم لوط أربع وهي القرى المؤتفكات، كانوا ستمائة ألف كما يقول المؤرخون، أرسل الله جبريل فقال: خذهم.
لماذا؟
قوم لوط عمت فيهم الفاحشة، كانوا يفعلون كل منكر في ناديهم، وما كان أحدهم يقول اتقوا الله يا عباد الله، خافوا الله، عندهم الفجور واللواط والزنا والفحش والتحريش والمحاسدة والأيمان الغموس والتبجح وظلم الناس والفجور والكبر، فما أحد يقول: اتقوا الله.
فغضب الله، والله إذا غضب أخذ، يمهل ولكن إذا أخذ لا يفلت أبداً، يقول الله: {إذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا غضبت لعنت، وإن لعنتي لتبلغ السابع من الولد}.
نعوذ بالله من لعنة الله، ونعوذ بالله من غضب الله، ونعوذ بالله من قلوب لا تتقي الله.
فأرسل جبريل، وقال: خذهم، وعند جبريل -كما في الصحيح- ستمائة جناح، فما استعمل إلا جناحاً واحداً واقتلع القرى من جذورها وجبالها قبل أن يأتي القرى بمسافة.
وذلك مثل أن يأخذ من هنا قرى أبعد من خمسين كيلو، فرفع القرى بجبالها وأوديتها وأشجارها وأنهارها، حتى رفعهم إلى قرب السماء الدنيا، وسمعت ملائكة السماء -كما في الحديث- نباح كلابهم، وصياح دجاجهم، ثم لطمهم بالأرض، وما كفى هذا، بل أرسل الله عليهم حجارة من طين، كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:٣٤] كل مجرم يكتب اسمه على حجرة، فتأتي وتقع في رأسه وتخرج من دبره، فالله عز وجل غضب على قرية من القرى ما تآمرت بالمعروف ولا تناصحت، فقال: يا جبريل خذهم! فنزل جبريل عليه السلام، فمر فوجد رجلاً مصلياً صائماً في مسجد، فعاد إلى الله قال: يا رب، هناك عبد يصلي ويذكرك ويسبحك ويدعوك، قال: يا جبريل فبه فأبدأ.
قال: يا رب! ولم؟
قال: إنه يرى المنكر، وما يتمعر وجهه غضباً لي.
الله عز وجل يغضب من العبد الذي لا يغضب لمحارمه، ونحن نغضب لمحارمنا ولا نغضب لمحارم الله؟! ونغضب لأنفسنا ولا نغضب لله؟!
أي قلوب فحمل؟!
فلما فعل بنو إسرائيل ذلك عمهم الله بالعذاب، وقست قلوبهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:١٣].