للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الرسول يتفكر في ملكوت الله]

الرسول صلى الله عليه وسلم ما حمل كتاباً في حياته، ولا قلماً ولا مسطرة، فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.

وفي صلح الحديبية قال لـ علي: اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سهيل بن عمرو مندوب المشركين: لا.

لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله، قال علي: والله لا أمحو رسول الله، أي: صعب على قلبي أن أمحو (رسول الله) قالوا: فمحاه صلى الله عليه وسلم بنفسه.

علمه الله أين مكان الرسول وهو أمي؛ لأنها معجزة، لو كان يكتب لقالوا: هو الذي كتب القرآن من رأسه، كيف وقد افتروا عليه وهو لا يقرأ ولا يكتب، كما قال تعالى عنهم: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:٥ - ٦] فكيف لو كتب؟! {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٨ - ٤٩].

الشاهد: أن الله قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١] وهو في الغار وعمره أربعون سنة، أين يقرأ؟ وأين يكتب؟ ما عندهم دفاتر، ولا أقلام، ولا ملحقات، ولا سبورات، ولا طباشير، قال أهل العلم: اقرأ في السماء، واقرأ آيات الله في الكون.

كان عند حليمة السعدية وعمره صلى الله عليه وسلم ما يقارب أربع سنوات، وكانت تدخله الخيمة؛ لأنه كان يرضع منها عند بني سعد في البادية، فكانت تدخله الخيمة في الليل، فيخرج يحبو ويمشي قليلاً من الخيمة ويخرج ينظر في السماء، لا إله إلا الله! تدخله الخيمة ويخرج ينظر إلى النجوم والقمر، ولذلك فهو الذي سوف يغير العالم، وتلاميذه بعد خمس وعشرين سنة خطبوا في قرطبة، وذبحوا الملك داهر في الهند، وخطبوا على منبر كابل، وصلوا بالناس في جوامع صنعاء والفرات واللوار والنيل، وبعض الناس اليوم عمره أربعون سنة لا يسجد لله سجدة ولا يتفكر، بل الإسلام في آخر اهتماماته، هذا إن كان مسلماً أما إذا كان كافراً فكما يقول القائل:

لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

إن بعض المسلمين ممن ظاهره الإسلام آخر اهتمامه الإسلام، يفكر في الطبيخ والثلاجة والبرادة والسخانة والسيفون, وفي الأخير يفكر في الإسلام، ويفكر في صلاة الجماعة والدين، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤] وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩].

<<  <  ج:
ص:  >  >>