[الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل]
أيضاً فيما يتعلق بهذا الباب ما ذكره العلماء كما عند ابن ماجة: {من خرج من بيته وقال: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان} فأوصيكم بهذا عند ذكركم وخروجكم ومزاولتكم لأعمالكم, أن تتوكلوا على الله لكن بالقلوب, وأن تعتقدوا أنه لا ينفع ولا يضر إلا الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ومن هذا الباب ما ذكر عن كثير من السلف منهم عمر رضي الله عنه وأرضاه أن رجلاً كان يلزم باب عمر يسأله في حاجة, ثم ذهب هذا الرجل وقال: يا رب أسألك أن تغنيني عن عمر وعن آل عمر، فأغناه الله عز وجل فسأله عمر، فقال: ما بك انقطعت عنا؟ قال: أغناني الله عنك وعن آل عمر لأني دعوت بهذا، وهذا عمر يريد أن ينقطع عنه الناس, ويتصلون بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأن الخزائن في يديه، وكان عمر يحرك الناس إلى الله حتى نزل فرأى أعرابياً في السوق، قال: كيف أنت يا فلان؟ قال: الحمد لله، قال عمر: إياها أريد، يعني: أريد أنك تقول: الحمد لله.
ومما يلحق هذا الجانب -أيها الإخوة- أن المحققين من أهل العلم يقولون: إن الأسباب لا تنافي التوكل, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بارز في درعين وهو سيد المتوكلين, وأخذ بالأسباب وهو سيد المتوكلين عليه الصلاة والسلام، وعند الترمذي وغيره من أهل العلم كـ البيهقي وأبي نعيم: {أن أعرابياً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أترك ناقتي وأتوكل؟ أو اعقلها وأتوكل، قال عليه الصلاة والسلام: اعقلها وتوكل}.
فأدِّ السبب واترك المسبب وهو الله عز وجل فإنه سوف يحكم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أمره، فلذلك على أهل الخير أن يعملوا بالأسباب ويتركوا المسبب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يفعل ما يريد، فأنت عليك مثلاً: أن تذاكر إذا أردت أن تنجح، وعليك أن تعمل صالحاً إذا أردت الفوز في الآخرة.
وعند أحمد في المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {نصرت بالرعب، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، ومن تشبه بقوم فهو منهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، قال أهل العلم: قوله عليه الصلاة والسلام: جعل رزقي تحت ظل رمحي: أي: أن الله جعل سبب رزقه بالجهاد في سبيل الله, وهو الفيء والغنائم، فالرسول صلى الله عليه وسلم زاول العمل وفعل ثم منحه الله عز وجل, لا أن معنى التوكل أن تقول: رزقي سوف يأتيني في بيتي.
أنتم تعرفون القصة المشهورة -وهي ثابتة- أن عمر رضي الله عنه وأرضاه دخل المسجد فوجد شباباً يصلون ويسبحون في المسجد، فقال: ماذا تفعلون؟ قالوا: نعبد الله، قال: كلنا نعبد الله، قال: من يرزقكم؟ قالوا: الله -يُعلِّمون عمر أن الرازق هو الله- قال: أعلم أن الرازق هو الله، لكن من يطعمكم ويسقيكم؟ قالوا: جيران لنا، قال: جيرانكم خير منكم، انتظروني قليلاً، فانتظروه وأغلق عليهم المسجد, وأتى بدرته -بيض الله وجهه ووجهها- فدخل عليهم وبطحهم على ظهورهم وبطونهم ثم قال: [[اخرجوا فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، اخرجوا واعملوا]] فهو يدعو إلى أن تكون عندك مزاولة في الحياة ويكون لك مشاركة وتأثير، وتكسب المال ولا تصدق الدعوات المنحرفة التي تدعوك إلى الخمول والكسل, وتدعوك إلى ترك التأثير في العالم, وترك جمع المال كما يفعله الصالحون حتى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل اكسب واعمل واعبد الله عز وجل, والله عز وجل يتولاني وإياك.
أيها الإخوة الكرام: صراحة لا أريد أن أستهلك المحاضرة في كلام, لأني ما أردت بهذا إلا أن أشير إليكم وأذكركم بكلمة "حسبنا الله ونعم الوكيل" ولعلنا نجدد في أسلوب المحاضرات, لا يلزم أن تكون المحاضرة كلها من المغرب إلى العشاء فيكون لها مقدمة وختام ولا نبقي للأسئلة وللمشاركة وقتاً: