[من فضائل عمر وسيرته]
أما فضائله فكثيرة، وقبل أن أتعرض لسيرته أتعرض إلى بعض فضائله:
في الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {عرض علي الناس البارحة -يعني: في المنام- وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله -يعني ما تفسير ذلك؟ - قال: الدين} فدينه رضي الله عنه أصبح سابغاً ساتراً كالثوب الأبيض عليه.
وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: {أتيت البارحة بلبن فشربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} فهو من أعلم الناس؛ لكن بخشية الله تعالى.
أما من كراماته فما ذكر صاحب تاريخ داريا بسند صحيح قال: وقف عمر رضي الله عنه يخطب الناس يوم الجمعة، وبينما هو في الخطبة إذ قطع الخطبة فجأة ثم رفع صوته يقول: يا ساريةُ الجبلَ يا ساريةَ الجبلَ! يا ساريةُ الجبل! فلما نزل قال الصحابة: مالك؟ قال: كشف الله لي الغطاء فرأيت جيش المسلمين في العراق ورأيت العدو قد حاصر سارية فناديته أن يعتصم بالله ثم بالجبل، وبعد شهر أتى سارية منتصراً فقالوا: هل أحسست بشيء؟ قال: في يوم الجمعة من شهر كذا سمعت صوت عمر والناس على المنابر يناديني يا سارية الجبل! فاعتصمت بالله ثم بالجبل فنصرني الله.
أما سيرته فحدث عن العدل وحدث عن الخشية وحدث عن الزهد ولا حرج.
أما في الزهد فقد ضرب المثال الأروع، يقولون: من يوم تولى الخلافة إلى أن توفي وعليه ملحفة واحدة يرقعها كلما تمزقت، وقد أتى سفير فارس إلى المدينة ليفاوض عمر، فدخل المدينة مع وفدٌ على مستوى عال، يريد أن يخاطب عمر بن الخطاب الذي دوى صيته في العالم، فسأل أين قصر عمر؟ قالوا: لا قصر له، قال: أين هو؟ قالوا: هذا بيته، وإذا هو بيت من طين، فذهب إلى البيت فضرب على الباب، فقال أهل عمر: ليس هنا، التمسه في المسجد فإنه ينام الضحى في المسجد، فذهب إلى المسجد والوفد معه وأطفال المدينة وجواري المدينة يلاحقون أهل فارس لأن عليهم الديباج والحرير في منظر بهيج ما رئي في الحياة، فما وجدوه في المسجد ودل الصحابة على مكانه فوجدوه تحت الشجرة نائماً ودرته -العصا- بجانبه، فوقف عليه هذا فأخذ يرتعد وأخذ يقول: هذا الخليفة؟ قالوا: هذا الخليفة، فقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت، يقول حافظ إبراهيم:
وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها
إلى أن يقول:
فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم ونمت نوم قرير العين هانيها
وفي عام الرمادة وهو عام القحط والجدب وقف على المنبر فقرقرت بطنه من الجوع وهو في الخطبة، فقطع الخطبة وقال لبطنه: [[قرقري أو لا تقرقري، فوالله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين]].
وقال للناس في خطبة من الخطب وهو يتكلم إليهم: يا أيها الناس! اسمعوا وعوا، فقام سلمان الفارسي وقال: والله لا نسمع ولا نعي، قال: ولم يا سلمان؟! قال: أتكتسي ثوبين وتكسونا من ثوب واحد -كان يوزع من الغنائم من ثوب- فقال لابنه عبد الله: يا عبد الله! قم فأجب سلمان، قال: أما الثوب الثاني فإنه قسمي مع المسلمين أعطيته والدي، فقال سلمان: الآن قل نسمع وأمر نطع، فقال عمر: يا أيها الناس! ما رأيكم لو رأيتموني اعوججت عن الطريق هكذا، فقام أعرابي في المسجد وقال: يا أمير المؤمنين! والله لو رأيناك اعوججت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا، فتبسم وقال: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من لو مال عن الطريق هكذا لقالوا بالسيوف هكذا.
أما معالم سيرته رضي الله عنه في العدل، فإنها تأخذ مجلدات ومؤلفات، ومن شاء فليطالع ما كتب الأعداء فضلاً عن الأصدقاء، فالإنجليز كتبوا في سيرته وعدله.
أما خشيته فلا إله إلا الله ما أخشاه لله! أخذ البكاء في خديه خطين أسودين، كان يقرأ غالباً في صلاة الفجر سورة يوسف، فإذا وصل إلى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:٨٤] توقف حتى يسمع له نشيج وللمسجد غمغمة من البكاء، ومر بـ أبي بن كعب في صلاة التراويح، وعمر هو الذي جمع الناس وإن لم يصل معهم صلاة التراويح، بل كان يصلي في آخر الليل، وفي أثناء صلاة التراويح كان يجوب المدينة وينزل من سكة ويصعد الأخرى ويقف عند مفترقات الطرق، وعند مجامع الناس، وعند الأرامل، والأطفال، قال: والله لو أخذت شاة من المدينة لظننت أن الله يسألني يوم القيامة عنها، مر بـ أبي بن كعب وهو يقرأ في صلاة التراويح: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:٢٤ - ٢٦].
قالوا: فألقى الدرة وهو في السكة يسمع القرآن ووقع على الأرض، قال ابن كثير: فعاده الناس من مرضه شهراً كاملاً رضي الله عنه وأرانا الله وجهه في مستقر الرحمة، فقد كان صادقاً مع الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث أنه لو كان أحد نبياً بعده لكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأجزل مثوبته.