للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من صور تذكر الآخرة عند السلف]

دخل ابن السماك الواعظ على أبي جعفر المنصور، فأراد أبو جعفر المنصور أن يشكل عليه بمسألة، وكان على أبي جعفر مهابة، وهو الذي قتل أبا مسلم الخراساني، الذي قتل ألف ألف من المسلمين - (مليون) مسلم- فقتله أبو جعفر وافترسه.

وقتل أبو جعفر أيضاً: عبد الله بن علي، وقتل هرثمة، والوزراء، بدَّدهم وقطَّع رءوسهم، فدخل ابن السماك والمجلس قد اكتمل، فأتى ذباب من خلق الله فوقع على أنف أبي جعفر، ضاقت به الدنيا إلا على أنف أبي جعفر فرماه بيده فطار الذباب، ثم هبط بحفظ الله ورعايته على أنف أبي جعفر مرة أخرى فطيره وهشه، فرجع على أنفه، فطيره مرة ثالثة، وتكرر ذلك، حتى أنه غضب على الذباب وأراد أن يحكم عليه بالإعدام لكنه لا يستطيع أن يصيده ولا يستطيع أن يذبحه، قال: "يا بن السماك، لماذا خلق الله الذباب؟ " قال: "ليذل به أنوف الطغاة".

هذه محاضرة ابن السماك الشهيرة التي حُفِظَت له في التاريخ.

وأعود إلى المهدي بن أبي جعفر.

فهذا المهدي دخل مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فلما رآه الناس مقبلاً قاموا جميعاً إلا ابن أبي ذئب المحدِّث فما قام، بل جلس في مجلسه، فقال الخليفة المهدي: "قام لي الناس إلا أنت يا بن أبي ذئب "، فقال: "أرت أن أقوم لك، فتذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] " قال: "اجلس والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت"، فذكَّره بذلك اليوم.

ومحمد بن واسع الأزدي المحدث الكبير يقولون له: "اتكئ على اليمين أو اليسار" قال: "لا، لا يتكئ إلا الآمن، وأنا ما جزت الصراط حتى أتكئ".

وقالوا عن حماد بن سلمة راوية مسلم الشهير: "ما تبسم"، والتبسم سنة، ولكن هكذا، قيل له: "ما لك؟ "، قال: "كلما أردت أن أتبسم تذكرت الميزان والصراط"، أو كما قالوا عنه، وهذه موجودة في ترجمته.

وعلى كل حال يجب الاستعداد للقاء الله، فوالله ما الاستعداد للقاء الله بكثرة الأموال، ولا الأولاد، ولا المناصب؛ لكنه بالعمل الصالح: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:١٩٧] وفي ترجمة سلمان الفارسي - سلمان الذي أتى بـ (لبيك اللهم لبيك) سلمان عصاه: لا إله إلا الله، وقعبه: التوكل، وفراشه: الزهد، ولحافه: آمنا بالله، وأما سجيته: فحسبنا الله ونعم الوكيل، بيته: المسجد، وإمامه: محمد صلى الله عليه وسلم، ومؤذنه: بلال.

وأبو جهل الطاغية أشرف نسباً من سلمان لكن إمامه: إبليس، ومؤذنه: فرعون، وبيته: الخمارة، وأستاذه: الصنم، ومصيره: إلى النار، قال لـ سلمان: من أبوك؟ قال:

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

صلى سلمان إلى القبلة، فقال لسان الحال: سلمان منَّا آل البيت، وقدم روحه رخيصة في سبيل الله، دخلوا عليه في سكرات الموت فوجدوا عنده شملة وقعباً وعَصَاً، أين الدنيا -وأنت أمير العراق - قال: [[أوصانا صلى الله عليه وسلم أن يكون قوتنا من الدنيا قليلاً -أو كما قال- وأن أمامنا عقبةً كئوداً لا يجوزها إلا المخف، وقد أكثرت من الدنيا.

قالوا: غفر الله لك! وهل أكثرت من الدنيا؟! قال: نعم أكثرت.

]].

<<  <  ج:
ص:  >  >>