[الإيمان والأدب والشعر]
إذا عُلِم هذا فلا ينفع العلم إلا بإيمان، والشعر والأدب لا ينفع إلا بإيمان، ولذلك أتى شعراء فطاحل من أقوى الشعراء في العلم لكن ملاحدة زنادقة.
أبو العلاء المعري من أكبر الشعراء- اسمه سليمان بن أحمد- يناجي الليل، شعره كالسحر الحلال يقول في منظومة استلطفها ابن القيم والذهبي:
يا راقد الليل أيقظ راقد السمر لعل في القوم أعوان على السهر
يود أن ظلام الليل دام له وزِيدَ فيه سواد السمع والبصر
ليته اكتفى بهذا الجمال وليته سكت؛ لكنه اعترض على الشريعة يقول وهو يستهزئ بالقرآن والسنة:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض مالنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار
بعد ماذا يا ملحد تستجير بمولاك؟ بعد أن استهزأت بالشريعة؟ يقول: كم دية اليد؟ قالوا: خمسمائة دينار ذهباً، قال: في كم تُقَْطَع؟ قالوا: في ربع دينار، قال:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض مالنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار
فرد عليه علماء السنة وشعراء أهل السنة بيَّض الله وجوهَهم.
يقول الشاعر عبد الوهاب المالكي راداًَ عليه بِرَدٍّ يدمغه ويسحقه يقول:
قل للمعري عار أيما عاري جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عار
لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شرائع الدين لم تقدح بأشعار
فأخذ الله أبا العلاء أخذ عزيز مقتدر: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:١٦] لكن تعال إلى الشاعر الموحد أبي نواس، وحَّد الله في شعره، رؤي في المنام بعد أن مات، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: بثلاثة أبيات قلتها في النرجِسة - النرجِسة: زهرة جميلة تأتي في الحدائق - يقول أبو نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك
فغفر الله له بذلك وأدخله الله الجنة.
يقول كعب بن مالك في قصيدة له وقيل: هي لـ ابن رواحة يسب قريشاً وينتصر للإسلام:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغلب الغلاب
قريش إذا أرادت العرب أن تسبها تسميها سخينة، فيقول كعب بن مالك: يا سخينة! أتغلبين الله؟!
زعمت سخينة أن ستغلب ربها فليغلبن مغلب الغلاب
{فتبسم صلى الله عليه وسلم بعد حين وقال: يا كعب! نزل جبريل يقول: إن الله يشكرك على ذاك البيت}.
فيا أهل الإبداع! ويا أهل الأدب! ويا أهل القصص! ويا أهل الشعر! ألا تريدون أن تدخلون الجنة بالشعر؟
حسان يقرب له صلى الله عليه وسلم المنبر ويقول له: {اهجهم وروح القدس معك} أي: جبريل، فيقول حسان:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
فيشكر الله له ويكون قائد الشعراء إلى الجنة.
لكن حداثي مستهتر من أبناء بلدنا وأمتنا، استنشق هواء جزيرتنا، وشرب ماءها، وجلس تحت سمائها، وتظلل تحت أشجارها، يقول في المربد في بغداد سافر إلى هناك يقول في معنى قصيدته:
جزيرتنا ما رأت النور منذ ألقى عليها رداءه الهاشمي، من هو الهاشمي يا عدو الله؟ الهاشمي: هو الذي أخرج الجزيرة من الظلمات إلى النور، الهاشمي: هو الذي رفع لا إله إلا الله في الأرض، الهاشمي: هو الذي مرت كتائبه إلى المحيط الأطلنطي، الهاشمي: هو الذي قُتِل أصحابُه في طاشقند وسمرقند ليرفع العدل والسلام في العالم، الهاشمي: هو الذي أتى إلينا نحن الأمة الأعرابية المتخلفة الرجعية البدوية، طويلة الأظفار منتنة الرائحة فأخرجنا إلى النور فأصبحنا ملوكاً للدنيا:
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار مِن خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه لم تبتغِ إلا رضاه سعى لها
فأمدها مدداً وأعلا شانها وأزال شانئها وأصلح بالها
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢].
قال الأستاذ النبيل البارع علي الطنطاوي بيض الله وجهه في كتابه قصص من التاريخ فصلاً يبكي القلوب قبل العيون يرد به على الملاحدة، يقول: " نحن المسلمين، سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، نحن المسلمين، سلوا عنا نهر الجانج واللوار، وصحراء سيبيريا من بنى منبر العدل، من أطلق عنان الإنسانية، من حطم كيان الطاغوت، من نشر البراء في العالَم، نحن المسلمين، منا أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وابن تيمية وابن القيم، نحن المسلمين، منا حسان وابن رواحة وأبو تمام والمتنبي ومحمد إقبال، نحن المسلمين، منا خالد وسعد وطارق وصلاح الدين وعقبة بن نافع ".
إلى آخر تلك المقالة التي تكتب بماء الذهب، وهو رجل إذا كتب فكتابته سحر حلال، وهي أقوى من كلامه إذا تكلم، بل هو أديب العربية لا طه حسين، فعدو الله ذاك ليس بأديب العربية؛ لأنه تزندق في كتاباته ويقول: بدر وأحد وقعت بين قبائل عربية لأحقاد بينها في الجاهلية، واستهزأ بكثير من معاني الإسلام، فليس بـ عميد الأدب العربي ولا كرامة؛ بل عميده مثل هذا الأديب الصادق، مثل سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي، أولئك الصفوة المختارة التي عرفت الكتاب والسنة وسجدت لله الواحد الأحد.
فأنا أدعو نفسي وإياكم بالإيمان، اصدقوا الله في قلوبكم وفي أفكاركم وفي أقلامكم وفي منشوراتكم وفي خطبكم، ويوم نوفق إلى الطريق ويوم يرزقنا الله إيماناً ملوكاًَ ومملوكين، ورؤساء ومرؤسين، وأمراء ومؤتَمِرين، وأدباء ومتأدبين؛ حينها تسعد الحياة ونكون خير أمة أخرجت للناس، حينها نكون مجتمعاً مثالياً: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].
أيها الإخوة! أكرر شكري لكم وأسأل الله أن يحفظني وإياكم بحفظه وأكرر شكري ثانية لنادي الشهيد الذي استضاف هذا الجمع هذه الليلة، وشكراً لأمير هذه المنقطة الذي حضر، ومعنى حضوره أنه شجع انتصار الكلمة المؤمنة والدعوة الصادقة والرسالة القائمة لتسعد هذه البلاد ويسعد هذا الشعب، ويكون هذا الجيل جيلاً موحداً، جيلاً يعرف الله ويسجد لله ويحمي مقدسات الله عز وجل، فإن نجاتنا بالإيمان وسعادتنا بالإيمان.
آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا
إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا
لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وما بقي من وقت فلبعض الأسئلة، ثم نقوم للصلاة، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.