للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أهمية فهم وسطية الإسلام]

فهذه الأمة أمةٌ وسط، وهذه الوسطية مهمةٌ جداً، حتى لا يظن بعض الناس أن دين الإسلام دينٌ مطاط، يدخل فيه ما يشاء من البدع والخرافات، وكلما أتى ببدعة قال هذه بدعة حسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في كثير من خطب الجمعة: {ألا إن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة}.

إذاً: ليس هناك بدعة حسنة، فالذين جعلوا الدين مطاطاً أخطئوا، كما أن الذين تجردوا عن الإسلام أخطئوا، ولكن -وأقسم بالله العظيم- لو بعث فينا اليوم محمدٌ صلى الله عليه وسلم ورأى هذا العالم، ما بين مجرمٍ فاسق، وما بين موغلٍ في الصوفية والخرافة والشرك والوثنية؛ لحمل السلاح في وجه هؤلاء الخرافيين قبل أن يحمله في وجه هؤلاء العصاة والمجرمين؛ لأن هؤلاء إما أن يكونوا قد كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، حينما قال: {تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك} أو يكونوا قد كذَّبوا الله عز وجل يوم قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣]

وقد جعل الله عز وجل شرطين لقبول العمل: أن يكون صالحاً صواباً موافقاً لما جاء به المرسلون عليهم الصلاة والسلام.

وأن يكون خالصاً لله عز وجل.

أيها الإخوة! لا أريد أن أدخل في هذه المواضيع، ولكني أقول: أبشروا فأنتم في روضةٍ من رياض الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر}.

فحلق الذكر: هي مجالس العلم، وهي رياض الجنة، وأبشروا فقد حدثنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سوف تفترق على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة: {قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثلما أنا عليه وأصحابي} والله! لقد كانت حياة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كلها علماً وبحثاً وكسباً وتحصيلاً وحرصاً على ما يرضي الله عز وجل؛ لأن هذا الإنسان ما خلق إلا للعبادة، وما تزاوله -يا أخي- من بيعٍ وشراء وأخذٍ وعطاء وغير ذلك من الأمور التي أنت محتاجٌ إليها ومأمورٌ بها إنما هي وسيلة، ولكن الغاية هي العلم النافع الذي يعرفك بالله عز وجل، ثم العمل الصالح الذي ينشأ عن هذا العلم.

ونحن -والحمد لله- نعيش فترة توفرت فيها وسائل الراحة ووسائل النقل وتوفر فيها الرزق، يوم كان آباؤنا وأجدادنا لا يحصلون على لقمة العيش إلا بعد شغفٍ وتعبٍ ومشقة؛ كانوا أحرص على طلب العلم منا اليوم، ولكننا نشكر الله أن نجد في مثل هذه المدينة المباركة، وفي هذه المنطقة المباركة مثل هذا الوجوه الطيبة التي تأتي من هنا وهناك، وتقطع الفيافي تبحث عن العلم.

وأسأل الله عز وجل أن يثبت الأقدام وأن يوفق العلماء لإحياء مجالس الذكر وحلق العلم، إنه على ذلك قدير.

ثم أقول: أيها الإخوة! اتقوا الله لا سيما في هذه الظروف، فإن أمتنا اليوم تعيش ظروفاً فيها كثيرٌ من الخطر، وإن الإنذارات التي هي الآن من حولنا وقريبةٌ منا تنذرنا بأن نخشى الله عز وجل، وأن نتفقد أنفسنا وأن نراقب أعمالنا، وأن نتفقد سجلات العمل؛ لأن هذه الفترة تشبه فترةً يقضيها التاجر مع دفاتر تجارته لو أحس بشيء من الخسارة، أو شعر بشيء من ضياع المال فإنه يستعيد دفاتر تجارته؛ لينظر في أرباحه وخسارته.

واليوم وفي مثل هذه الأيام -ونرجو أن تكون أياماً مباركةً إن شاء الله وبعدها أيامٌ مباركة- هي مفرقٌ من مفارق طرق الحياة، ولذلك فإن على كل واحدٍ منا أن يتفقد اليوم نفسه، فإن المؤمن لا يؤتى إلا من قبل نفسه، والله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فهو القائل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:٤١] سواء كان فساداً خلقياً، أو فساداً اجتماعياً، أو اقتصادياً، أو أي نوع من الفساد إنما هو بما كسبت أيدي الناس، بل إن الله عز وجل يقول: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [فاطر:٤٥].

أيها الإخوة! نحن مطالبون اليوم بأن نتفقد أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا، وننظر ما الذي حدث حتى لا نقع في سخط الله عز وجل وعقابه، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام:٤٣] فالتضرع مطلوبٌ دائماً وأبداً لا سيما في أيام البأس، ولنا أعداء من الداخل والخارج، وأعداؤنا يكرهون بلادنا؛ لأنها هي البلاد الوحيدة التي تطبق شرع الله عز وجل؛ ولأن بلادنا هي الوحيدة التي ليس فيها معبدٌ ليهودي ولا نصراني ولا لوثني ولا بوذي ولا لغيرهم؛ ولأن بلادنا هذه هي بلاد المقدسات وبلاد الفطرة، وفيها الذين قدموا أنفسهم وأموالهم للدعوة لله عز وجل في أرجاء العالم؛ لذلك فإن علينا أن نجدد التوبة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأشكر الله ثم أشكر فضيلة الشيخ/ عائض الذي قدمني لكم وما كان ينبغي أن نتقدم بعد حديثه، ثم أشكر إخواني الحضور وأرجو الله أن يثبتني وإياكم على كلمة التوحيد، وأن يتوفانا على ملة الإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>