للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سلمان الفارسي والبحث على الهداية]

وحدث سلمان الفارسي رضي الله عنه عن نفسه: أنه كان في أرض فارس، وكان أبوه ملك النار، يوقد النار لأهل فارس ويعبدونها من دون الله، ويسجدون لها، فأتى يوماً من الأيام، فأرسله أبوه ليوقد النار، ومع صلاة المغرب يوقد المجوس النار، يقول محمد إقبال يحيي الرسول صلى الله عليه وسلم:

أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا

ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا

يقول: من الذي أطفأ نار المجوس إلا أنت يا رسول الله.

فذهب سلمان بعد أن أرسله أبوه قبل الغروب، قال: أوقد النار حتى يعبدها الناس، فمر في أثناء الطريق براهب نصراني عنده علم من التوراة، فأجلس سلمان وقال: عبادة النار شرك من دون الله عز وجل، وأرى أن تترك عبادة النار، فترك إيقاد النار؛ فخاف أبوه عليه؛ فقيده في البيت وربطه، وقال: لا تخرج من هذا البيت أبداً، فاحتال سلمان وهرب وترك الحبال، وذهب إلى نصراني يعبد الله فجلس معه يتعبد، فلما حان الأجل من هذا النصراني، قال له سلمان الفارسي: يا فلان! حانت منك الوفاة، وتعرف أنني يتيم، وأني تركت أهلي، فبمن توصيني؟

قال: أوصيك بفلان، رجل في مدينة من مدن العراق، قال: فذهبت إليه؛ فخدمته، فكان من أسوأ الناس، يأخذ أموال الناس سرقة، ويزعم أنه يتصدق ولا يتصدق، قال: فأخبرت الناس به، فأتوا عليه؛ فهدموا صومعته وضربوه، وأخذوا قسيساً مكانه ووضعوه، فذهبت إلى القسيس هذا فوجدت فيه خيراً كثيراً، فلما حضرته الوفاة، قلت له: إلى من أذهب؟ قال: لا أجد رجلاً من القساوسة الآن في الدنيا، لكن سوف يبعث رسول قريب من أرض العرب من مكة، فإذا بعث فاذهب إليه، وله ثلاث علامات:

العلامة الأولى: أن فيه خاتم النبوة عند كتفيه كزر الحمامة، قيل: بيضة الحمامة أو كذا.

العلامة الثانية: أنه يقبل الهدية ويأكلها ولا يأكل الصدقة.

العلامة الثالثة: يخرج بين حرتين.

قال سلمان: فسمعت بمبعث الرسول عليه الصلاة والسلام، فجمعت ما عندي من مواشي، وما عندي من غنم وإبل، وجعلتها أجرة لأهل السفينة يحملونني في البحر فحملوه، فلما وصل إلى ساحل البحر نزل وذهب إلى المدينة، فأخذه اليهود الذين كان معهم في القافلة، وقالوا: هو عبد لنا وهو حر، لكن الخونة فعلوا ذلك، فأخذوه؛ فأنزلوه يشتغل في النخل ويعمل معهم، وفجأة سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة، قال: فأخذت رطباً معي من النخلة، وأتيت به وتركت سيدي، وأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا أصحابه حوله، قلت: يا رسول الله! هذا صدقة لكم، قال: فردها صلى الله عليه وسلم، وقال لأصحابه: كلوا هذه صدقة، فأكلوا ولم يأكل صلى الله عليه وسلم.

قال: وفي الليلة الثانية، أتيت بعذق رطب، وقلت: هذا هدية لك يا رسول الله.

قال: فأكل مع أصحابه، قلت: هذه ثانية، قال: وحضرته وهو يشيع جنازة فجلس، فأتيت من وراء ظهره؛ فعرف أنني أريد أن أنظر إلى العلامة؛ فرفع الكساء، فوجدتها كزر الحمامة، وهو خاتم النبوة، قال: وبعث بين حرتين كما في الحديث، فأسلم سلمان الفارسي بهذه العلامات، هذا بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>