[حديث أنجشة]
كان له عليه الصلاة والسلام غلام أسود يحدو يقال له: أنجشة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك!) هذا شاهد البخاري، استخدم كلمة (ويحك) إذا غضبت على ابنك أو من تمن عليه، فتقول: ويحك! لكن لها نسبيات، ولها ظروف واحتياطات.
لا تقول لكل أحد من الناس: ويحك! ولا تُستخدم لنقول: إنها سنة، وتطبيق السنة في بعض هذه المواضع تأتي من الجهل بالأحاديث، أن تأتي إلى عالم شهير أو كبير في السن أو سلطان، وتقول وأنت تخاطبه: ويحك! فإذا قال: مالك؟ قال روى البخاري بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ أنجشة: ويحك!
لا تقبل الأسانيد الصحيحة في هذا المكان، يصبح هذا من الاستنباط المهجور الذي لا ينبغي أن يحكم في هذه القضايا، قال: (ويحك يا أنجشة).
أنجشة صوته جميل، ترنم وأرسل نغمته على هيئتها، فأخذت الإبل تهرول.
شأن هذه الإبل عجيب! وقد تكلم عنها الجاحظ في كتاب الحيوان وأتي بخصوصيات الإبل، ولذلك رد الله أفكارهم وأنظارهم للإبل، فقال لهم: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:١٧] أما هناك فيلة؟ أما هناك طواويس ووز وبط؟
نعم.
لكن الجمل شأنه غريب؛ فإنه أخذ خمسين صفة من خمسين مخلوقاً، من الجرادة، ومن الإنسان، والظبي، والذئب، والفرس، ومن كل مخلوقات الله؛ فهو عجيب الخلقة.
ومن خصوصياته: أنه حقود، تقول العرب: أحقد من الجمل.
فإذا حقد عليك الجمل لا ينسى حقده سنوات، وبعض الناس يبقى بحقده، فيظلم حقده بالحسنات، تحسن إليه كل الدهر ثم تسيء إليه في ساعة، فيخلع هذه الحسنات ويغمرها في بحر السيئات، ويحقد عليك كما يحقد الجمل.
ومن ميزته: الصبر، وهذا شيء شريف ينبغي للإنسان أن يأخذه من الجمل، فإنه يسير الأيام والليالي الطوال ويصبر على الجوع والعطش، والمؤمن أولى بذلك، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يمدح بالصبر على الجوع والعطش، أرسل شببة كلهم مترفون، فذهبوا إلى ساحل البحر في جهينة، فلما مستهم الشمس تركوا القتال، وأتوا بحفظ الله ورعايته إلى المدينة، فقال عليه الصلاة والسلام: هل قاتلتم؟ -وأصل الحديث في مسلم - قالوا: لا يا رسول الله، قال: مالكم؟ قالوا: جعنا وظمئنا، قال عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لأرسلن معكم رجل أصبر على الجوع والظمأ} فمن أرسل؟
أرسل عبد الله بن جحش القرشي الشاب الذي قتل في أحد، وهو أول من قاد سرية في الإسلام.
قال سعد بن أبي وقاص -وهذا الحديث أورده الغزالي في الإحياء بسند منقطع، لكن وصله الأئمة في كتبهم -لما حضرنا أحداً قام عبد الله بن جحش فرفع يديه، وقال: اللهم إنك تعلم أني أحبك-.
وهذا من التوسل بأفضل العمل؛ يقول عمر [[يا سعد، سعد بن أبي وقاص، إياك لا يغرنك قول الناس: إنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، وأقربهم إليه أطوعهم له]].
قال: [[اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم لاق بيني وبين عدوٍ هذا اليوم شديد حرده، فيقلتني فيك، فيبقر بطني، ويجدع أنفي، ويفقأ عيني، ويقطع أذني، فإذا لقيتك يا رب قلت: مالك؟ لماذا فعل بك هذا؟
فأقول: فيك يا رب، يقول سعد: فوالله الذي لا إله إلا هو ما انتهت المعركة إلا وقد رأيته مبقور البطن، مجدوع الأنف، مفقوء العينين، مقطوع الأذنين، فسألت الله أن يُلِّبي له ما سأله]].