[مصير قارون]
كان مصير قارون أن قال الله ٦٠٠٣٣٣٢>فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:٨١] هذا الردى وهذه اللعنة والخبث وسوء الخاتمة.
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ} [القصص:٨١]
من الذي ينصر إلا الله!
والله إن لم ينصر العبد لم ينصره أحد!!
العزيز من أعزه الله بالطاعة، والذليل من أذله الله بالمعصية، يقول الله عز وجل: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ} [القصص:٨١] أي: هل كان معه أسرة؟
هل كان معه قبيلة قامت تقاتل عنه بالسيوف؟
قوة الله لا تغلب، والله عز وجل يقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:٥١] من الذي ينصره الله؟
الرسول والمؤمنون، أما غير المؤمنين فلا ينصرهم الله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:٥٢].
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ} [القصص:٨١] مسكين قارون، ضعيف مغفل، {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الكَافرُون} [القصص:٨١ - ٨٢]
تدرون ماذا فعل؟
أتى في مصطبة من ذهب، وهي دكان مرتفع كله مصبوب من ذهب، فجلس عليه بحلة في الصباح، مرَّ موسى عليه السلام وهو الذي دخل على فرعون، داعية لا إله إلا الله، حامل لا إله إلا الله، الذي قاد الجيوش الجرارة لخدمة لا إله إلا الله، مر على قارون، قال: يا قارون! اتق الله، وقل: لا إله إلا الله، فتكلم بكلام بذيء في عرض موسى عليه السلام، ولذلك يقول الله تعالى: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:٦٩].
ولذلك تجد أن الدعاة وطلبة العلم والعلماء والصالحون وأهل الخير والعباد والزهاد ينالون نصيباً من هذا الاستهزاء والاستهتار والتعليق المرير، لكن قدوتهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، يقول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:١٧] ثم يقول بعدها: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:١٧] فإنك إذا أمرت ونهيت سوف تنالك الألسنة، وسوف تعترضك القلوب التي ما عرفت لا إله إلا الله، موسى عليه السلام لقي الله فكلمه كفاحاً بلا ترجمان، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما كلم أحداً من الناس إلا موسى عليه السلام: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:١٦٤] فلما كلمه قال: يا موسى أتريد شيئاً؟ قال: نعم يا رب.
قال: ما تريد؟
قال: يا رب! كف ألسنة الناس لا يتكلمون في عرضي، يقول: يارب! امنعني من ألسنة الناس في المجالس حتى لا ينالوا من عرضي ولا يتكلموا فيَّ.
قال الله: يا موسى ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وأعافيهم، وإنهم يسبونني ويشتمونني!
الله عز وجل الذي خلق الإنسان وبصَّر الإنسان، وعلم الإنسان، ورزق الإنسان؛ ومع ذلك يسبه الناس!
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة يقول الله عز وجل: {يشتمني ابن آدم وليس له ذلك، ويسبني ابن آدم وليس له ذلك، أما شتمه إياي فيقول: إن لي صاحبةً وولداً، وأنا ليس لي صاحبة ولا ولد، سبحاني! وأما سبه إياي فإنه يسب الدهر، وأنا الدهر؛ أقلب الليل والنهار كيف أشاء!}.
سبحان الله!
إذا مات ابن للإنسان تسخط على الله، وقال: يارب! تأخذه من بين يدي؟! يا رب! لم تمهله حتى يدرس وينفعني؟! وإذا رسب قال: يا رب! تنجح أولاد فلان، وترسب أولادي، ما هذا يا رب؟!
سبحان الله! أنت أحكم من الله؟!
أنت أعدل من الله؟!
الله أعلم؛ فكلمته وأمره وقضاؤه في (كن) فهو الحكيم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فلما مرّ موسى قال: اتق الله يا قارون، فتكلم عليه، فقال موسى: اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، فنزل بيته في الأرض، وأصبح يريد أن يقوم، وهو مشرف والبيت وراء ظهره، وهو على دكان من ذهب، فنزل الدكان ونزل البيت جميعاً، وكانت كنوزه تنزل معه، وكانت قلعته وهي من ذهب وفضة تنزل معه في الأرض، أراد أن يفر فما استطاع؛ لأنه محبوس في الأرض، فينزل رويداً رويداً وهو ينادي: يا موسى! يا موسى أطلقني! فنزل وموسى ينظر إليه هو وبنو إسرائيل، فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَىتَعَالَى في آخر القصة: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:٨٣].
الحياة يا عباد الله معناها أن تعيش لله، وتموت لله، وتبعث لله، أما حياة ليس فيها صلاة، وليس فيها عبادة، وليس فيها اتصال بالله، فليست حياة، والعجيب أن بعض الناس راضٍ عن نفسه، يرى أنه إذا كانت له دار فسيحة وأبناء، ويأكل ويشرب، وعنده سيارات، وقد ارتاح إلى هذه الحالة، أن الله راضٍ عنه.
فهل سأل نفسه عن معاملته مع الله؟
هل سأل نفسه هل يحافظ على الصلوات الخمس في المسجد؟
هل علم كيف قلبه مع المسلمين، بره لوالديه، صلته لرحمه، خوفه من الله يوم يحلف، ويوم يبيع ويشتري، ويوم يعاهد، ويوم يزور ويتعامل؟