نور الدين محمود بن زنكي، تركي ليس بعربي، والعرب إذا تولت عن حمل لا إله إلا الله؛ وكل الله بها الأكراد أو الأتراك، أو الأفغان، أو الهنود أو الأحابيش:{فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}[الأنعام:٨٩] فلما اعتنق آباؤه الإسلام رسخوا في الدين، وسجدوا لرب العالمين، وهو حنفي المذهب، ولكنه يراهن بجمجمته كل يوم مع لا إله إلا الله، وضد من يحارب لا إله إلا الله، وسوف أسوق أخباره ومراجعي في ذلك سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي ومرآة الجنان للسبط ابن الجوزي ووفيات الأعيان لـ ابن خلكان والبداية والنهاية، (ابن كثير) وسيرته أيضاً وهي الروضتين، وترجمة له ضافية، والتجديد لـ محمد العبده، مع الكامل لـ ابن الأثير، ومع ما كتب عن دولة الأكراد وعسى الله أن يهدني وإياكم سواء السبيل.
وأنا لن أعتني بالقصص التاريخي لكن أسمعكم العبر، واعلموا أن من اقترب من الله إنما يقترب بالطاعة، وقد كتب عمر الفاروق إلى سعد بن أبي وقاص، يقول له:[[يا سعد! - سعد بن مالك بن وهيب - لا يغرنك قول الناس، إنك خال الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الناس ليس بينهم وبين الله نسب، إنما أقربهم إلى الله أطوعهم له]] فلما أطاع محمود زنكي الله أحبه أهل العلم ودعوا له في المساجد، وأكثروا من ذكره، وبكت عليه الأمة الإسلامية بكاء عظيماً، وجمعت مراثيه في مجلد، ونحن ما نزال نذكره ونترحم عليه، وسوف أذكر لكم أبياتاً نظمها كثير من الشعراء في الثناء عليه.
يقول أبو اليسر وهذا في السير: سمعت نور الدين محمود ساجداً قبل السحر يبكي ويقول في السجود: اللهم احشرني يوم القيامة من بطون السباع وحواصل الطير.
- ما معنى الكلام؟ معناه: إذا قتل الناس على الفرش، وإذا قتلوا تخمة من الطعام، فاقتلني في سبيلك، حتى تشبع مني الكواسر والطيور، واحشرني من بطونها، وفي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف على حمزة وعلى الشهداء السبعين في أحد وبكى وهو ينظر لـ حمزة وقال:{والذي نفسي بيده! لولا جزع صفية أختك لتركتك حتى تشبع منك الطيور والسباع} فكان يقول: اللهم إني أسألك أن تحشرني يوم العرض الأكبر من بطون السباع وحواصل الطير، وهذا علامة الصدق مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.