للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الوقفة الثالثة: فضل الذكر في السنة]

اسمع إليه عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث عن فضل الذاكرين، يا شيخاً كبيراً شابت لحيته وشاب رأسه ورق عظمه! ألا أدلك على أحسن الأعمال؟ عليك بذكر الله.

يا شاباً قوي البنية بهي الصورة ألا أدلك على عمل يكفل لك أحسن الأعمال! عليك بذكر الله، لن تجد أبداً أفضل من الذكر، في صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال للصحابة: {سيروا هذا جمدان - جمدان جبل في خليص، لا يزال يبيت ويصبح ويمسي مع أهل خليص، جبل رآه عليه الصلاة والسلام كبير- فقال للصحابة: سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات} والمفرد قالوا: هو الذي قطع صفته بالعمل الصالح، وقيل المفرد: هو الذي امتاز بالعمل، أي: امتاز بالذكر من بين إخوانه، وتجد الناس في المجالس كلٌ يذكر ما يحب.

يقول الغزالي صاحب الإحياء، محمد بن محمد أبو حامد: إذا دخل مجموعة في مجلس تكلم كل واحد منهم عما يحب، أو بما يحب، فالنجار إذا دخل في المجلس تجده يتكلم في الخشب وفي الأبواب، وكيف ركبت، وكيف صرفت، وكيف أخرجها النجار وصقلها.

أما الحداد فيتكلم في الحديد وفي تركيبه، وأما البناء فيتكلم في روعة البناء، وأما النقاش فيتكلم في الطلاء وفي نقشه من أصفر وأحمر وأبيض، وأما صاحب القماش والبزاز فيتحدث في الأقمشة.

ولكن أولياء الله يذكرون الله ويتحدثون فيما يقربهم من الله، والذاكرون هم أقرب الناس إلى الله تبارك وتعالى.

يقولون: إن يوسف عليه السلام -وناقل هذه القصة ابن رجب في جامع العلوم والحكم - نزل الجب يوم أنزله إخوانه، وكان غلاماً صبياً، أنزلوه في الجب وهو البئر، وقيل: فيه صخرة وبقية ما حول الصخرة ماء، فنزل على الصخرة في الليل، لا رفيق ولا صاحب إلا الله، ولا مؤنس إلا الله، فأخذ يذكر الله حتى يقول: كانت الحيتان تهدأ في البحر ولا يهدأ هو من التسبيح، وكانت الضفادع تسكن من النقنقة، ولا يسكن هو من ذكر الله، فالله حفظه؛ لأنه حفظ الله.

ويقول سبحانه عن يونس بن متّى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:١٤٣ - ١٤٤].

والمسبحون هم: الذين يجري ذكر الله على ألسنتهم في الضراء والسراء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح عند الترمذي وغيره: {ألا أدلكم على أفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورِق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله} أعظم من نوافل الجهاد، وأعظم من نوافل الصدقة، ونوافل الصيام؛ ذكر الله تبارك وتعالى دائماً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>