وكان الشيخ -كما تعرفون- واسع الحلم، لا يكاد يغضب، بل سجيته السهولة والرضا واليسر، فكان الأب القريب من طلبته، الذي يعرف متطلباتهم ويقرب منهم، وهذه خاصية يفتقدها كثير من الناس، وهي المؤهلة -بإذن الله- للعالم وللداعية ولطالب العلم أن يؤثر في بيئته {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:١٥٩].
وإن من أعظم ما يميز الشيخ: الحلم وقد رأيناه وجلسنا معه كثيراً، وأخبرنا محبوه وتلاميذه بحلمه الواسع، فهو قليلاً ما يغضب، وإذا غضب، كتم أنفاسه ولم يتكلم.
ولا يجرح المشاعر أبداً، وهو كمر النسيم على القلوب؛ ولذلك جعل الله له محبة في القلوب، وهو لا يشهِّر بالطوائف، ولا ينال من الأشخاص، ولا يتهكم الناس، ويحفظ للناس قدرهم وللهيئات قدرها، لأنه رضع من ميراث نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وتعلم في جامعته الغراء التي أخرجت أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وأبياًَ ومعاذ بن جبل وأمثالهم.
وحين انتقل الشيخ إلى الجامعة الإسلامية كان مثلاً أعلى في حسن الإدارة، وبعد توفيق الله نعزو كثيراً من نجاح الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة إلى سيرة الشيخ الجليلة وإلى عطاياه السمحة، وإلى ملاحظاته الكيِّسة الفطنة وقد كان الشيخ يحضر في إدارة الجامعة ويجتمع بالأساتذة في وقت الفسح، ويوجههم التوجيه السليم، ويدعوهم من منطلق رسالته العلمية إلى الحكمة، وإلى اللين في التعامل، وإلى الاهتمام في التحصيل العلمي، وكان لا يفوت من وقته دقيقة إلا في الخير وكان الشيخ يمر على الطلبة في الفصول، فيسلم عليهم، ويسمع ما عندهم، ويفيض في الحديث معهم، وربما ألقى بعض المحاضرات، وكان يفتح مكتبه للطلبة وهذه ميزة يفتقدها كثير من المسئولين والموظفين؛ فتراهم يغلقون الأبواب في وجوه المسلمين من ذوي الحاجات.
وأما الشيخ فقد كان يفتح مكتبه، ويستقبل المعاريض، ويسمع من الناس، ويأخذ ويعطي معهم حتى يقضي حاجتهم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:{من ولي من أمر أمتي شيئاً فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم احتجب الله يوم القيامة دون حاجته وخلته}.
فكان الشيخ يرى أنه ليس من الحكمة أن يغلق بابه؛ بل يفتحه للطلبة وللموظفين ولمن يأتي من الزائرين والضيوف، فكان يمتلئ بالناس، ويحاورهم الشيخ فيما ينفع، وقد رتب أوقاته بما هو حسن وجميل.
وذكر المجذوب أن أحد العلماء علق على محاضرة للشيخ كان عنوانها" الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب " وقد ألقاها الشيخ عبد العزيز بن باز وعلق هذا المعلق فقال: وفي العقائد كان الشيخ ابن باز مثل الاعتدال، لا هو من أولئك المتطرفين الذين يطلقون عبارات الشرك على كل صغيرة وكبيرة، ولا هو من المتساهلين الذين يغضون النظر عن صغار الأمور، بل إنه لينبه على الصغيرة والكبيرة ويضع كل شيء في موضعه، وهي الوسطية التي كسبها علماء السنة وسطية في الفكر وفي العلم، ووسطية في إلقاء الأحكام، ووسطية في الأخلاق والسلوك لا إفراط ولا تفريط.