[ثلاثة من بني إسرائيل يكفرون النعمة]
وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام: {أن ثلاثة من بني إسرائيل} انظر إلى الشؤم واللؤم وانظر إلى حفظ النعم، وشكر الواحد الأحد، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:٢٨] ثلاثة من بني إسرائيل أقرع وأبرص وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فأرسل إليهم ملكاً، فذهب إلى الأقرع، فقال: ماذا تريد؟ قال: أريد شعراً على رأسي يجمله، فقد قذرني الناس، فسأل الله أن يعطيه شعراً، فجمل الله رأسه بالشعر في لحظة، -إنما أمره إذا أراد شيئاً، أن يقول له: كن فيكون- قال: ماذا تريد من العطايا؟ قال: أريد الإبل، فدعا الله له فأعطاه الله ناقة فولدت حتى ملأت الواديان، وذهب إلى الأبرص، قال: ماذا تتمنى؟ قال: أريد من الله أن يجمِّل جلدي ويذهب هذا العوار في جسدي لأكون جميلاً، فسأل الله فرد الله عليه جلده الجميل في لحظة، قال: ماذا تريد من المال؟ قال: أريد البقر، قال: فسأل الله أن يعطيه بقرة، فولدت حتى ملأت الوديان، وذهب إلى الأعمى، قال: ماذا تريد؟ قال: أمنيتي أن يرد الله علي بصري لأرى، قال: اللهم رد عليه بصره، فعاد البصر:
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال
ويقول آخر:
سهرت أعين ونامت عيون في شئون تكون أولا تكون
إن ربا كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غدٍ ما يكون
فرد عليه البصر في لحظة، قال: ماذا تريد؟ قال: الغنم، قال: اللهم ارزقه الغنم، فأعطاه الله شاة فولدت فملأت الوديان، ثم عاد المَلَك فحول الله صورته إلى صورة فقير -ولله الحكمة البالغة- فأتى هذا المَلَك صاحب المقامات الأُوَل، في صورة فقير عليه ثياب بالية.
فذهب إلى الأبرص أو الأقرع وقال: أنا فقير منقطع، انقطعت بي السبل والحبال، فلا مغني إلا الله، أعطني مما عندك، قال هذا الأقرع: الحقوق كثيرة، والمال ورثته كابراً عن كابر، ولا عندي لك شيء، قال: كأنك كنت أقرع قبل؟ قال: لا.
المال ورثته كابراً عن كابر، -يعني ورثته بجدارة- قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه، فسلب الله نعمه، فعاد إلى حالته الأولى.
وذهب إلى الأبرص، وقال: أنا فقير منقطع فأعطني مما أعطاك الله -أو كما قال- قال: ما عندي شيء، والحقوق كثيرة، قال: كأنك كنت من قبل أبرص فقيراً؟ قال: لا.
ورثت المال كابراً عن كابر، قال: إن كنت كاذباً، فصيرك الله إلى ما كنت عليه، فرده الله القهقرى وعاد إلى حاله، ثم سار إلى الأعمى -وكان الأعمى عاقلاً، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، رأى نعم الواحد الأحد فشكرها:
إذا كان شكري نعمة الله نعمةً فأين يطاق الشكر أم كيف يشكر
إذا كان شكرك نعمة على النعمة، فكيف تشكر نعمة الواحد الأحد.
قال الغزالي في الإحياء: " أتى رجل من الفقراء لينام، فقال: يا رب، أفقرتني وأعطيت فلاناً، سلبتني وأعطيت فلاناً، هذا الفقير مؤمن ولكن ينظر إلى الأموال والذهب، والفضة والدنيا ولم ينظر إلى نعمة الله، فنام تلك الليلة فأتى رجل صالح في المنام فقال له: يا فلان، أتبيعني بصرك بمائة ألف دينار؟ قال: لا.
قال: أتبيعني سمعك بمائة ألف دينار؟ قال: لا، قال: يدك بمائة ألف دينار؟ قال: لا.
قال: رجلك بمائة ألف دينار؟ قال: لا فأخذ يعدد له عضواً عضواً، قال: سبحان الله! لله عندك مئات من الألوف من الدنانير وما شكرته وأنت تمنن عليه أن سلبك بعض المال الذي قد يغويك؟ أو كما قال، فهب من المنام يبكي ويقول: لك الحمد يا رب.
لك الحمد والشكر الذي أنت أهله فخيرك مغمور وفضلك منزل
{{فقال للأعمى: أنا رجل فقير منقطع وليس لي بلاغ إلا الله! ثم ما تعطيني، قال هذا الأعمى الذي عرف الله: أما أنا فقد كنت أعمى فرد الله علي بصري، وقد كنت فقيراً فأغناني الله، فخذ ما شئت واترك ما شئت، والله لا أمنعك اليوم شيئاً أخذته، ولا أحمدك على شيء تركته، قال: أخبرك أن الله رضي عليك وسخط على صاحبيك}.
وأخبركم أن من قدر نعمة الله في شبابه وفي بصره وفي بيته وفي مدخله ومخرجه فقد رضي الله عليه، وأن من تسخط نعمة الله واستخدمها في الفجور، وأصبح عربيداً متمرداً على آيات الله؛ فقد غضب الله عليه، حكمة بالغة وقدرة نافذة فما تغني النذر.
هذه النعم تحتاج إلى شكر، وإلا فالأصل عند أهل العلم أن العبادة لا تكافئ النعم.