والآن تبدأ بشائر الانتصار، ينتصر صلى الله عليه وسلم في بدر، ويستهل خطبته، ويبشر أصحابه، ويقول: الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.
فيفرح بالنصر، وما تتم سنة إلا ويعود -حتى لا يركن إلى النصر ولا يركن إلى قوته- فيغلب في أحد، سبحان الله! ويذبح من أصحابه سبعون، ويرى رؤيا في المنام قبل أن يخرج إلى أحد، يرى ذباب سيفه انكسر عليه الصلاة والسلام، وبقراً تنحر، وكأنه أوى إلى درع حصينة.
قال: أما ذبابة السيف فأحد قرابتي يقتل، وهو حمزة، وأما البقر التي تنحر؛ فما يقتل من المؤمنين وهم الشهداء، وأما الدرع الحصينة؛ فـ المدينة المنورة.
فما تمت فرحة الانتصار، وما أسرع الضحك من البكاء! وعاد بعد معركة أحد وهو مثخن من الجراح، وقد كسرت ثنيته عليه الصلاة والسلام، ودخلت حلقتا المغفر في رأسه، وشجت جبهته، وسالت دماؤه.
ووقف على حمزة وهو يتقطع من الغيظ، وقد قتل حمزة، وقطع أنفه، وبقر بطنه، وأكل من كبده، فقام صلى الله عليه وسلم وهو منهك في وضعٍ الله أعلم به، وقال:{والذي نفسي بيده لئن ظفرت منهم لأمثلن منهم بسبعين} فهل يقره الله، يقول تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}[آل عمران:١٢٨] لا إله إلا الله! يقول: هذه ليست ملكك، وأنت فقط مرسل، وليس لك أن تتصرف إلا بإذننا، ولا تنتقم لنفسك، ولو قتلوا ما قتلوا، لماذا تنتقم؟ فيعود ويكظم غيظه.