شرح قوله تعالى: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ
{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس:٥] قال المفسرون: الشيطان في الصدر يوسوس، ومكان الوسوسة: الصدر، فمنه تنبعث الخواطر والهموم والإرادات والنيات، فذكر الله الصدر لأنه معترك العبد، بين نيته وبين وسوسة الشيطان.
وأراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن تكون المعركة في الصدر؛ ليعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من ينشرح صدره للهداية، ومن يضيق صدره فهو ضيق حرج بالغواية.
قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:٢٢].
وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:١٢٥].
وقال حاكياً عن موسى دعاءه ربه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:٢٥] فسأل أعظم مطلوب في أول السؤال.
وقال لرسولنا عليه الصلاة والسلام ممتناً عليه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:١].
فإذا شرح الله للعبد صدره سَلَّمه من الشيطان، وأخرج هواجس ووسوسة الشيطان.
قال مقاتل في: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس٥]: إن الشيطان في صورة خنزير، يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، سلطه الله على ذلك، قال تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس:٥].
وعن شهر بن حوشب عن أبي ثعلبة الخشني وأبو ثعلبة الخشني أحد الصالحين الكبار، وهو من الصحابة عند كثير من أهل العلم، وقد سأل الرسولَ عليه الصلاة والسلام عن الأمر والنهي عن المنكر، فقال: {مُرْ بالمعروف، وانْهَ عن المنكر، فإذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرَة، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك خاصة نفسك}.
فيقول أبو ثعلبة هذا: [[سألتُ الله أن يريني الشيطان، ومكانه في ابن آدم، فرأيتُه يداه في يديه، ورجلاه في رجليه، ومشاعبه في جسده، غير أن له خطماً كخطم الكلب، فإذا ذكر اللهَ العبدُ خَنَسَ الشيطان ونَكَسَ، وإذا سكتَ عن ذكر الله أخذ بقلبه]].
معنى ذلك: أنه رأى يدَي الشيطان في يدَي الإنسان، ورجلَي الشيطان في رجلَي الإنسان، ومشاعبه أي: أظافره في جسد الإنسان.
فهو -على ما وصف أبو ثعلبة - متشعب في جسم الإنسان، ويصحح ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: {إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم}.