للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام]

ذكر الأسنوي في رسالته، وذكر السمهودي في وفاء الوفاء، الكتاب المشهور، أن نور الدين محمود نام ليلة من الليالي وهو في دمشق العاصمة، وفي وسط الليل رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام وبجانبه رجلان عليهما زي مغربي، فيقول صلى الله عليه وسلم: أنقذني يا محمود! قال: فقام وصلى ركعتين ورجع فنام، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أنقذني يا محمود! فعاد ثلاثة، فقال: فرآه وهو يقول أنقذني يا محمود! فقام وبعد صلاة الفجر جمع العلماء، وجلس في الإيوان، وما كان يجلس إلا ضحى، أي جمعهم بعد الفجر مباشرة وقال: ماذا ترون رأيت كذا وكذا؟ قال أهل العلم: نرى أن الرسول عليه الصلاة والسلام يؤذى في قبره فنرى أن تذهب ونذهب معك الآن لنرى ماذا أتاه في قبره، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

قال: فأعلن حالة الاستنفار في جيشه وتحرك بالجيش الذي يداهم به الصليبيين حوله إلى المدينة، قال: ومشى هو في أول الجيش ونزل قباء -المكان المعروف- ثم طوق المدينة، وأمر بعدم دخول داخل أو خروج خارج من المدينة، ثم عمل وليمة غداء للناس واستدعاهم، وقال لجنده: فإذا أصبحنا على الطعام وبدأنا نأكل اذهبوا في بيوت المدينة ومن تخلف فتعالوا به، فذهبوا فوجدوا الناس قد حضروا مأدبته، إلا رجلين مغربيين في الروضة يسبحان ويصليان، فعادوا وقالوا له: أتى الناس إلا رجلين رفضا أن يأتيا، قال: عليّ بهما، فأتي بهما، فإذا هما اللذان رأى في المنام، قال: ما قصتكما؟ قالا: نحن نعبد الله ونسبحه ونذكره في الروضة، قال لجنوده: مسوهما بعذاب، يعني: خذوهما بتحقيق، فذهب مع الجنود فجلدوهما فاعترفا، فقالوا: نحن أرسلنا ملك عكا الصليبي من الفرنجة، وأنزلنا في قارب في جدة، وركبنا من هناك، لنأخذ جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم، ونذهب به إلى عكا، قال: يا كلبان! ما كان لكما ذلك، ثم أمر السياف أن يضرب رءوسهما، فضرب رءوسهما، ثم نكسهما عند مدخل قباء، ثم ذهب وأتى إلى القبر، فوجد أنه يحفر من تحت البساط وقد اقتربوا من القبر، فأمر بصب ما حول القبر من الرصاص، وقيل بين الرصاص وبين القبر صبة فضة، فرضي الله عنه ورحمه، وأعلى منزلته في الجنة، وهذا هو الوارد، قال ابن كثير: لما مات نور الدين فرح المجنة -يعني: الماجنون- وفرح أهل الخلاعة، وفرح أهل الطرب، لأن دولتهم ماتت في دولته، فأهل الفن، وأهل العود والوتر، ماتت دولتهم في دولته، لا يحب إلا العلماء، وما يكرم إلا الدعاة، وما يعلي إلا أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، أما أهل الضياع فما لهم سوق عنده أبداً.

قال: فقام مغنٍ يرقص في السوق، ويقول:

ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر

وهذه القصيدة لـ أبي نواس، وهذا المغني لما سمع بموت نور الدين، نزل السوق يرقص، ويقول:

ألا فسقني خمراً وقل لي هي الخمر ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر

قالوا: وكان الشعراء يقفون ببابه، قال: أنا لا أعطي شاعراً، إنما أعطي العلماء؛ لينشروا دين الله والمجاهدين؛ لينصروا دين الله، والفقراء للحاجة، والمساكين للعوز، أما غيرهم فليس لهم في بيت المال لهم شيء هكذا قال.

فقال أحد الشعراء في نور الدين رحمه الله، لما أتى إلى نور الدين فمدحه بقصيدة، فلم يعطه شيئاً، قال: أنت لست بعالم تدعو، ولا بمجاهد ينصر بك الدين، ولا فقير ولا مسكين، فقال الشاعر:

سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا له فكل عن الخيرات منكمش

أيامه مثل شهر الصوم طاهرة من المعاصي وفيها الجوع والعطش

الجوع والعطش للمتمردين وهؤلاء الهامشيين، الذين ليس لهم مكانة ولا أثر في الأمة، ولا ينبغي أن ينزلوا إلا منزلة من المنازل التي يستحقونها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>