للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من فضائل الدعاء: أنه هو العبادة]

يوم ترى العبد كثير الدعاء اعلم أنه عابد، يوم تراه متصلاً بالله اعلم أنه قوي الإرادة.

نظرت إلى فيلم مع بعض الإخوة للمجاهدين الأفغان في منطقة ترخم، وقد رفعوا أياديهم قبل القصف المسلح وهم يحملون الكلاشنكوف فبكينا جميعاً.

من أين يأتي المدد؟ أخذوا المدد من الله، لا من هيئة الأمم، ولا من مجلس الأمن، ولا من موسكو، ولا من واشنطن، ولكن {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:١٦٠] النصر من السماء، كان الصحابة إذا حضروا طلبوا من الله أن ينصرهم فينصرهم سبحانه.

فقبل المعركة لهم دعاء، واتصال بالله.

وقف حبيبنا ورسولنا ومعلمنا صلى الله عليه وسلم في معركة بدر يدعو إلى الفجر حتى سقطت بردته من على كتفيه.

يقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] إذا قالوا لك: أين الله؟ هل هو قريب أو بعيد؟

إذا سألك العباد عن قدرة ربك، وعن سمعه وعلمه، فقل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] ولم يقل: فقل لهم إني قريب، قال أهل المفسرين: ترك الفصل لشدة الوصل، ولم يقل: فقل لهم: إني قريب.

لأن في هذا فصل، وإنما قال: إني قريب، ترك الفصل لشدة الوصل ولاتصال الكلام {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦] وسبب نزول هذه الآية أن الصحابة أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم حديثو عهد بالجاهلية التي كانت تجعل الإنسان يعبد الوثن واللبن والتمر والحجر والمدر، فجعلهم عليه الصلاة والسلام يعبدون الله، جعلهم أمة ربانية تتصل بالله، بينها وبين الله جسور، أمة ليس بينها وبين الله واسطة إلا في التبليغ عن طريق محمد عليه الصلاة والسلام.

قالوا: {يا رسول الله أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟}.

يقولون: يا رسول الله! أخبرنا وأفتنا أربنا قريب يسمع فنتكلم بصوت خافت أم هو بعيد فنرفع أصواتنا؟ ولذلك يقول ابن مسعود: [[كنت متستراً في لباس الكعبة فمر بي مشركان كثيرة شحم بطونهما، قليل فقه قلوبهما، فسمعت الآخر يقول: أيسمعنا رب محمد إذا تكلمنا؟ فيقول أخوه التيس الأعمى الذي هو غبي مثله قال: إذا رفعنا سمعنا، وإذا خفضنا لا يسمعنا.

فيقول: خفض صوتك]].

وبالمناسبة كان هناك رجلان مشركان، وقد أسلما فيما بعد، جلسا تحت ميزاب الكعبة والرسول -عليه الصلاة والسلام- في المدينة وكما قيل: أين مناخ العيس من حلب.

لا هاتف، ولا فاكس، ولا اتصال، ولا برقيات ولا شيء، أمة صحراء، الجمل يأخذ من المدينة إلى مكة عشرة أيام، فقال صفوان بن أمية لـ عمير بن وهب: ما رأيك يا عمير في محمد قتل آباءنا وإخواننا وأعمامنا في بدر؟ ما رأيك لو قتلته؟ قال عمير بن وهب: أريد أن أقتله لكن من يقوم بأطفالي وأهلي؟ قال: أنا أقوم بأطفالك وأهلك، الهدم هدمي والدم دمي والحياة حياتي والموت موتي.

فأخذ عمير سيفه فسمه حتى أصبح السيف أزرق، فذهب إلى المدينة يريد أن يقتل محمداً عليه الصلاة والسلام ولم يدر أن الله قال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧].

عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم

وصل عمير إلى المدينة يريد تنفيذ خطة من أبشع خطط البشر، فوصل إلى المسجد فرآه عمر، فقام عمر وهو مجرد من السلاح وذاك عنده السيف، فأخذه عمر بسيفه وثيابه ومماسكه وقاده كما يقود التيس، حتى أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.

فقال عليه الصلاة والسلام: يا عمير! ماذا جاء بك؟

قال: جئت أفادي أسرانا في بدر.

قال: بل كذبت! جلست أنت وصفوان تحت ميزاب الكعبة، فقال لك صفوان: كذا، وقلت له: كذا وكذا وجئت لتقتلني، وما كان الله ليسلطك علي.

قال عمير بن وهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

من الذي علمه؟ من هو القريب؟

قالوا: {أربنا قريب فنناجيه أو بعيد فنناديه؟ فسكت عليه الصلاة والسلام فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦]}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>