[زهد السلف في الدنيا]
اعلم أن الدنيا لا تساوي شيئاً، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم} وفي حديث حسن عنه عليه الصلاة والسلام {أن رجلاً سأله، فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس}.
أوحى الله إلى عيسى: إن كنت تريد أن تكون من أوليائي فاطرح الدنيا.
ويذكرون في تراجمه أنه كان من أزهد الناس، ولم يكن عنده بيت ولم يكن عنده شيء من ملاذ الدنيا أبداً، وفي ذات يوم أتى لينام تحت شجرة، فأخذ حجرة ليتكئ عليها وينام، فقال له جبريل: يا عيسى! أما طلقت الدنيا؟ قال: بلى، قال: فمالك تتكئ على هذه، ذكر هذه الغزالي وأمثاله، ويغني عن ذلك ما ثبت في الصحاح.
وقد صح عن علي رضي الله عنه أنه قال: [[يا دنيا يا دنية غري غيري طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها]].
هذا علي بن أبي طالب البطل الذي كسَّر رءوس المشركين، وقطع رقابهم، كان يدخل بثوب ممزق في السوق، ويقول: [[أنا أبو الحسن أهنت الدنيا أهانها الله]] كان غداؤه سويقاً ويقول: لو اشتهيت أن آكل نسيل عسل ولباب بر لكان، لكن أخشى أن أعرض على الله، فيقول الله لي يوم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:٢٠]]].
والدنيا لا تساوي شيئاً، يقول عليه الصلاة والسلام: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {مالي وللدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها} وبالفعل انظروا لتراجمه وحياته صلى الله عليه وسلم، كان بيته من طين، ومركبه الحمار، وثوبه ممزق، ومات ودرعه مرهون عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير، ما شبع ثلاثة أيام متتالية من خبز الشعير عليه الصلاة والسلام.
كفاك عن كل قصر شاهقٍ عمدٍ بيت من الطين أو كهف من العلم
تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيم
إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكلات والأدم
صففت مائدةً للروح مطعمها عذب من الذكر أو عذب من الكلم
صلى الله وسلم عليه، وقد فعل أصحابه مثلما فعل.
فمات أبو بكر وما خلف من الميراث إلا بغلة وثوبين، ومات عمر وفي بردته أربع عشرة رقعة، ومات علي وقد تصدق ببيت المال وبقي أهله ما وجدوا عشاء ليلة؛ لأن الله أعد لهم جنات عرضها السماوات والأرض.
فيا أيها الناس! وصيتي خاصة لكبار السن، فإني أعرف أن الشباب مرضهم مرض الشهوات، وقليل من الشباب من تجده حريصاً على المال، فالشاب يتلف المال إتلافاً، لكن الشيخ يصرصر المال صرصرة ويموت عليه موتاً ويحسب له ألف حساب، وحياته وليله ونهاره دنيا إلا من غفر الله له، ومن وفقه الله لعمل صالح.
ألا تزودوا من الصالحات: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:٢٠].
أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت في عصر الشباب
لقد خدعتك نفسك ليس ثوب جديد كالبلي من الثياب