الفائدة الثانية: أن من عادة الرسل أنهم يبتلون وتكون العاقبة لهم، تكون الحرب بينهم وبين أعدائهم سجالاً، ولا ينتصرون مرة واحدة، لأنهم لو انتصروا مرة واحدة لدخل في الدين من لم يكن من أهله، وما عرف المؤمن من المنافق، يقول تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:٢ - ٣] فميز الله بهذا بين المؤمن والمنافق، فلو كانت المسألة مسألة نصر وعافية ونعمة لدخل في الدين من ليس من أهل الدين، ولكنه صلى الله عليه وسلم ابتلي مرة وانتصر مرة، ولو هزم الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً لما تمت الرسالة الخالدة، ولما أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور، ولما تم المقصود من الرسالة، ولو انتصر دائماً لدخل في الدين غير أهل الدين، ولكن غُلب مرة؛ وانتصر مرة، ليميز الله الخبيث من الطيب، والعاقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين والمتقين، وانتصر الإسلام، وارتفعت مآذن الإسلام في كل مكان، وبقي صوت الحق مدوياً ودمغ الباطل وزهق إنه كان زهوقاً.
ومنها: أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضماً للنفس وكسراً لشموخها وجماحها، لأن النفس إذا أنعم عليها جمحت وشمخت إلا من رحم الله، فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم انتصر في كل معركة، وانتصر في كل موقف هو وأصحابه لدخل بعض الصحابة شيء من العجب والتيه، وشيء من الزهو، لكن أراد الله أن يربيهم بالمعارك، مرة نصر ومرة هزيمة، وفي الخاتمة نصر لا هزيمة بعده للإسلام، لذلك لما أتت في معركة حنين قال بعض الصحابة: لن نغلب اليوم من قلة، فانهزموا في أول المعركة ثم انتصروا بعد أن تلقوا تأديباً، وأنت إذا بقي جسمك معافى بلا أمراض ولا ابتلاءات دخلك من العجب ما الله به عليم، والله عز وجل يعرف النفوس فيداويها.
لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل
ربما يكون في صحة جسمك المرض، وفي صحة قلبك الفقر والابتلاء، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.