[توبة محمود شيت خطاب]
مفاتيح القلوب يعطيها الله من يشاء، بعضهم عندهم مفاتيح الخزائن لكن لا يستطيع أن يفتح قلباً واحداً، والبعض الآخر يجلس بكلمة فيفتح الله به قلوباً محمود شيت خطاب اللواء الركن العراقي، كان في الجيش العراقي، وهو مؤلف عنده عشرة كتب في العسكرية الإسلامية، مسلم داعية كبير، كان مع الجيش يعربدون ويفجرون ويفسقون ولا تسأل عن ليلهم ونهارهم، ما يعرفون الصلاة بل كانوا يستهزئون بها.
الجيوش العربية حين أن دخلوا فلسطين قيل لأحد القادات وهم يقاتلون إسرائيل: نصلي؟ قال: إذا رجعنا بلادنا صلينا، فنزلت عليهم إسرائيل نزول من لا يخاف ولا يرحم، فترك جزمته في إسرائيل وهرب إلى بلاده، هذا هو الجزاء، قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:١٦].
فأتى هذا اللواء الركن يقول: كنت جالساً في ثكنة عسكرية في العراق، وكنا في الليل مع قادات -هو لواء ركن- قال: فمر بنا داعية من الدعاة المسلمين -أراد الله أن يفتح قلبه- قال: فأتى ونحن في ليلةٍ حمراء، مع كل قائد كأس خمر، ويلعبون من البلوت واللعبات التي لا يلعبها إلا الغافلون دائماً، فقال لهم هذا الداعية كلمة واحدة، ما ألقى محاضرة ولا خطبة، قال: أما تخشون الرقيب؟!
فقال اللواء خطاب: وأين الرقيب؛ وما عندنا إلا الكواكب، ما هنا إلا النجوم؟ قال: وأين مكوكب الكواكب؟ قال: ثم تركنا وذهب، لكن دخلت كلمته إلى قرار قلبي، أحسست بحرارتها تلك اللحظة؛ لأن الإنسان مفطور على الخير وعلى الإيمان: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:٣٠] كل حيوان وكل مخلوق وكل كائن يعرف أن هناك إلهاً.
مر عيسى عليه السلام -والقصة صحيحة إلى عيسى ثبتت عنه- مر عيسى عليه السلام ببقرة قد اعترض ولدها في بطنها في ساعة الولادة، وإذا البقرة تنظر إلى السماء وتدمع عيناها؛ لأنها تعلم أن الحي القيوم مفرج الكربات في السماء {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] ثم تكلمت وأنطقها الله الذي أنطق كل شيء فقالت: يا روح الله! أسألك بالله أن تدعو لي، فبكى عليه السلام وقال: اللهم سهل لها، فأنزل ولدها في تلك الفترة نعم.
كل شيء يعلم أن هناك إلهاً مدبراً، سبحان الخالق الأحد!
قال: فذهبنا تلك الليلة وبقيت أقول كلما قمت من نومي: أين مكوكب الكواكب؟
آتي أنام فما أستطيع أن أنام وأقول: أين مكوكب الكواكب؟
أخرج في الليل وأنظر إلى الكواكب وأقول: أين مكوكب الكواكب؟
وفي الأخير أعلن توبته وانصدع باكياً في ليلة من الليالي، فأتى وتاب من حياة الجهل والخرافة والظلام، وجدد إيمانه وطريقه وأصبح من دعاة الإسلام، وهو الذي سد مساحة العسكرية الإسلامية في كتبه، نسأل الله أن يجزيه عن الإسلام خير الجزاء يقول تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:١٦] وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٤ - ٢٧] فنسأل الله لنا ولكم الثبات والاستقامة حتى نلقاه.