الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد: فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:٢ - ٣] ويقول عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد:٣١] لما قرأ الفضيل بن عياض رحمه الله هذه الآية بكى، وقال: اللهم إن بلوتنا فضحتنا!
فنحن في ستر الله، نسأل الله ألا يفضحنا وألا يفتننا، وأن يجعلنا في عافية وستر حتى نلقاه، لكن للفتنة نتائج طيبة يجعلها الله للصابرين، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:٢٤].
والمحنة والفتنة التي تعرَّض لها الإمام أحمد رواها أهل التاريخ جميعاً، وسمعت بها الدنيا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فهي مسطرة إلى قيام الساعة، وهي محنة خلق القرآن التي أورثها المأمون في الأمة.