للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نماذج من شباب الجنة]

وسوف أعرض نماذج من شباب الله الذين دخلوا جنة عرضها السماوات والأرض.

وقف عبد الله بن جحش لما رأى السيوف تطيح بالرءوس والرماح تلعب بالأكتاف قال: يا رب! أسألك هذا اليوم، أن تلاقي بيني وبين عدو لك شديد حرجه، قوي بأسه، كافر بك، فيقتلني، ثم يبقر بطني ويجدع أنفي، ويفقأ عيني ويقطع أذني، فألقاك يا رب بهذه الصورة فإذا قلت لي يوم القيامة: لم فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب!

وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العتادة ما حادوا وما انكشفوا

سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا

في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف

واندفع مصعب بن عمير بالعلم، وحمل الراية، واستبسل استبسالاً ما سمع الدهر بمثله، فضرب ثمانين ضربة وقطع بجانب العلم.

ثم اندفع قتادة بن النعمان وواصل المسيرة فضربه كافر فأسقط عينه اليمنى حتى أصبحت معلقة على خده بعرق واحد، فأتى إلى القائد العظيم عليه الصلاة والسلام وهو في الصف الأول مثخن بالجراح، فقال: يا رسول الله! عيني، قال: ادن مني، فدنا منه فرد عينه بيده، وقال: باسم الله، فعادت أجمل من الأخرى وأحدّ.

أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد

فصارت على حسن أول حالها فياحسنما عين ويا حسنما خد

وتقدم سعد بن الربيع فقاتل فقتل، فاندفع دمه يقذف قذفاً على الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام: {أين سعد بن الربيع؟ قالوا: لا ندري يا رسول الله! قال: يا زيد بن ثابت اذهب والتمس سعد بن الربيع، قال زيد: فأتيت فإذا هو في حفرة ودمه قد غطاه في الحفرة، وأصبح في الرمق الأخير -مودعاً الدنيا مستقبلاً الآخرة، وهو يطل على حياة جديدة، على قصور وأنهار وأزهار، وعلى مكالمة الله- قال: كيف تجدك يا سعد بن الربيع؟ قال: أبلغ رسول الله السلام، وقل له جزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، نشهد أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، ثم تبسم ومات}.

ثم تقدم أنس بن النضر ففتك فتكاً عجيباً في الصفوف، فلما ضرب سال دمه وقال: إليك عني يا سعد! والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد، وصار الصوت في المدينة، وارتفع صياح النساء، وأصبحت الغارة تشن من قرب عاصمته عليه الصلاة والسلام، والملائكة والسماء والأرض مشتبكة بين الكفر والإيمان، إما سعادة ونصر، وإما سحق وإبادة، فثار حنظلة شاب من المدينة لما سمع الصوت وهو جنب، فاخترط سيفه من الغمد، فذهب فقاتل فقتل في سبيل الله، فرفعته الملائكة في السماء، والرسول عليه الصلاة والسلام يشاهد جثمانه وتنهل دموعه على عينيه ويقول: {والذي نفسي بيده، إني أرى حنظلة تغسله الملائكة بين السماء والأرض في صحاف الذهب بماء المزن} سلوه فيم قتل؟ قالوا: في الله، وقال: ولم تغسله الملائكة؟ قال أهله: مات جنباً.

وتقدم حمزة رضي الله عنه فقتل سبعة من القادة ثم أثخن بالجراح، ورمي بحربة فلقي الله، فوقف عليه الصلاة والسلام على حمزة، وعلى الشهداء، وقال لـ حمزة وقد رآه مقطعاً أمامه: {والذي نفسي بيده لا أقف موقفاً أغيظ لي من هذا الموقف، والذي نفسي بيده لئن ظفرت عليهم لأمثلن منهم بسبعين، ثم قال: أنتم شهداء، والله شهيد، وأنا على ذلك شهيد} وهو شهيد عليه الصلاة والسلام أنهم شهداء.

ثم أتى عبد الله بن عمرو الأنصاري فقاتل حتى قتل وقطع إرباً إرباً، فبكى ابنه، فقال عليه الصلاة والسلام: {ابك أولا تبك، والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: إني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} وارتفعت أرواح الشهداء، وقتل سبعون، وسال دمه عليه الصلاة والسلام من جبينه، ودخل المغفر في رأسه، وانكسرت رباعيته، وأثخن بالجراح حتى سقط على الأرض.

فأتى والد أبي سعيد قال: {يا رسول الله! أسألك بالله أن تأذن لي أن أمص دمك -وهو الدم الذي يسيل من الجرح- فتقدم فمص الدم، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}.

ولما انتهت المعركة، وقف عليه الصلاة والسلام ودمه يغلي على حمزة وعلى إخوانه من الشهداء، متأثراً مجروحاً، لكي يعلم أن مبدأه سوف ينتصر وسوف يبقى والعاقبة للمتقين، قال: {صفوا ورائي لأثني على ربي} قال بعض الفضلاء: الله أكبر تثني على ربك وأنت جريح؟!

تثني على ربك وأنت مصاب؟!

تثني على ربك وقد قتل أصحابك؟ نعم.

إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم

هذه بطولات أهل الجنة، وهم سلفكم الصالح، وهم والله الذين نصروا هذا الدين، ورفعوه في معالم الدنيا، ونشروه في بقاع الأرض، ولم يقدموا عليه مالاً ولا أهلاً ولا ولداً.

عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه

وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه

يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>