حضرت ابن المبارك الوفاة، من الذي لا يعرف ابن المبارك؟ الزاهد، العابد، العلامة، المحدث، أمير المؤمنين في الحديث، المولى، المجاهد عبد الله بن المبارك، عبد الله الذي كان يجتمع تلاميذه يذكرون فضائله، عبد الله بن المبارك الذي أصبح فخراً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، كان يخشى الله، له خبيئة بينه وبين الله، سافر مع تلاميذه فدخلوا في حجرة في السفر فانطفأ السراج عليهم، فذهبوا يلتمسون السراج وأتوا إليه وإذا دموعه تنهمر من رأس لحيته، قالوا: ما لك؟ قال: تذكرت القبر والله في هذه الغرفة, تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
قال أهل التاريخ: خرج عبد الله بن المبارك بتجارة من خراسان وخرج بقافلة من الحجاج يريد مكة ليحج، وكل أهل خراسان على نفقته، فقد كان تاجراً ينفق أمواله في سبيل الله، فلما أصبح في الطريق عند الكوفة خرجت امرأة فوجدت غراباً ميتاً في مزبلة, فأخذت الغراب ودخلت بيتها فقال لمولاه: اذهب فاسأل المرأة ما لها أخذت الغراب؟ فسألها فقالت: والله مالنا طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى في هذه المزبلة.
فدمعت عيناه وقال: نأكل الفالوذج وهم يأكلون الغربان الميتة، اصرفوا القافلة جميعاً في أهل هذه المدينة، مدينة الكوفة، وعودوا فلا حج لنا هذه السنة.
وعاد إلى خراسان.
وذكروا عنه أنه رأى في المنام رجلاً يقول له: حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور.
حضرت الوفاة ابن المبارك وهو في سكرات الموت يتبسم، من يتبسم في سكرات الموت؟ الذي يعرف الله في الرخاء ليعرفه في الشدة، من يسر في سكرات الموت وضيق الموت؟ الذي عرف الله في الرخاء ليعرفه في الشدة، يبتسم ويقول:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}[الصافات:٦١] وذهب إلى الله سعيداً؛ لأنه عرف الله في الرخاء فعرفه في الشدة.