للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم التوفيق بين فرق العالم الإسلامي]

السؤال

جزاك الله خيراً تكلمت عن قلة أهل الخير إلى جانب أهل الشر، وهذا كما ذكرت أمر واقع، والحقيقة أنه قد ظهرت دعوات في هذا الزمن تركز على قضية التوفيق بين فرق العالم الإسلامي، فإن بعضهم يدعو إلى الوفاق العقدي أو ما يسمى توسيع المسارات العقدية، وعدم التضييق على الناس في جزئيات العقيدة، وهي مسائل تطرح هذه الأيام بكثرة، خاصة عند بعض العقلانيين -الذين يؤمنون بالاتجاه العقلاني- فما هو تعليقكم فضيلة الشيخ على هذا الموضوع؟

الجواب

لقد وجد فعلاً ما يسمى بالاتفاق العقدي، وقد كتب بعضهم كتابات وسماها: (الأخوة الإنسانية) وذكره بعض المفكرين في كتاب تراثنا العقلي بين الفكر والشرع ودعوا إلى أخوة إنسانية للناس جميعاً، بل بعض المفتين الكبار أجريت معهم مقابلة في لندن , وقال أحدهم وهو مفتٍ في تلك البلاد: إن الأديان لا خلاف بينها، وإن الإسلام يحترم الأديان، وكلها ديانات سماوية محترمة وهذا عوار مكشوف، والدين عند الله الإسلام, قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥] فهذا باطل بالإجماع أصلاً، ولا يجوز أن يقال مثل هذا الكلام في توحيد الأديان، وأن الأديان كلها سماوية محترمة، فهذا ليس بصحيح، بل هو باطل ومنكر من القول وزور.

بقيت مسألة وهي: إن أهل الإسلام طبقات ومذاهب، ولكن المسيرة الحقة الصحيحة التي يدعى إليها هي مذهب أهل السنة والجماعة، وهي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والأئمة، ولكن المخالفين درجات، فمنهم القريب من أهل السنة، ومنهم البعيد عنهم، ولا يجوز أن يصنفوا تصنيفاً واحداً.

فمثلاً: الأشاعرة بالنسبة لـ أهل السنة مبتدعة، عند ذكر السنة والبدعة، ولكن إذا ذكر أهل السنة والرافضة فـ الأشاعرة من أهل السنة، وهذا من كلام ابن تيمية، وأنا مسئول عنه، بل ذكر عن ابن تيمية -وهذا محقق- أنه قال: والبلد الذي ليس فيه إلا أشاعرة فهم أهل السنة والجماعة في ذلك البلد ولا يعني ذلك أني أدافع عن الأشاعرة والماتريدية، ولكني أقول: إنهم لا يصنفون في حجم وخطأ الرافضة، وأنا استفدت ذلك لأن رسالتي في الماجستير البدعة وأثرها في الرواية والدراية واكتشفت من كلام السلف وأخبارهم ومقولاتهم أنهم يصنفون البدعة إلى مكفرة ومفسقة، وإلى غليظة وخفيفة، وإلى كبرى وصغرى، وإلى بدعة المعتقد والعمل، والعبادة والسلوك، وهكذا.

فأنا أنصح الذين يتسرعون في كل من هو مشتبه ويصنفونه من أهل البدع، وأحياناً يكفرونه بالبدعة، وأن يكون حكمهم تفصيلياً جزئياً، يقع على أشخاص الناس أنصحهم بالمذهب الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الصحيح بلا شك، وهو ما كان عليه السلف الصالح، المذهب السلفي الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا يجوز أن يدعى إلى مذهب آخر، ثم نبين لأهل البدع أخطاءهم في موقفهم من أهل السنة.

فمثلاً: المعتزلة خطؤهم أعظم من خطأ الأشاعرة، والرافضة أخطر من المعتزلة، والباطنية الإسماعيلية أخطر من كثير من الرافضة، فعموماً لا بد أن يفهم الناس والناشئة هذا، وهذا ما أريد أن أبينه.

فلا يصح أن يقال مثلاً: نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.

ولو كان صاحبها يقصد خيراً، لكن الكلمة -أحياناً- قد يفهم منها بعض الناس أن يجمع الناس جميعاً بطوائفهم وفرقهم ويقال: لا فُرقة، ولا تذكر السنة، ولا مذهب السلف لأنه يفرق، فتأتي مثلاً بالسلفي والمعتزلي والجبري والقدري والأشعري والماتريدي، وتقول: كلهم مسلمون، وهم يصلون، ويجمعون بينهم هذا ليس بصحيح، فإن ابن تيمية بيّن ذلك، وبيّن أن المنهج الصحيح هو منهج أهل السنة والجماعة منهج السلف الصالح الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو الصفاء العقدي الذي لا بد أن يدعى إليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>