[أهل السنة وأهل البدعة وأهمية التمسك بالسنة]
أما التمسك بالسنة فليس كلاماً فقط، لأن بعض الناس جعل للتمسك بسنته عليه الصلاة والسلام عواطف أو كلاماً يعبر به بلسانه، لكن التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أطراف: إعتقادٌ وقولٌ وعمل.
وقد ضل في التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد طوائف، فليس على سنته في الاعتقاد إلا أهل السنة والجماعة، فـ الخوارج ليسوا على سنته في الاعتقاد، والرافضة والنواصب والقدرية والجبرية والمعتزلة والأشاعرة، فقد خالفوا في الاعتقاد سُنَّتَهَ عليه الصلاة والسلام.
وهناك طائفة من أتباعه صلى الله عليه وسلم ضلت في السلوك، فتجدهم لا يتبعونه في السلوك الظاهر، وهذا دليل على مرضهم في الباطن، فهم يجعلون السلوك من القشور، ويقولون: هذه ليست من اللب بل هذه من القشور، فعندما تحدثهم في الإسبال وعن تحريمه قالوا: هذه قشور؟ ويقولون: لا تحدثنا عن الثياب، لأن الإسلام أرفع من الثياب، فالإسلام أصول، وليس فيه هذه القشور والتوافه التي يتحدثون عنها: اللحى لبس الحرير والذهب الأكل بالشمال إلى غير ذلك.
فهذه كلها يجعلونها من القشور.
والرد عليهم أن نقول: ليس في سنته عليه الصلاة والسلام قشور، بل هي لباب كلها وهي جميلة وبديعة كلها، فمن رضي بلا إله إلا الله فليرض بمحمد عليه الصلاة والسلام في أصغر شعيرة وفي أقل سنة، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].
يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا
أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا
خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا
فقد أعلنت المبادئ الأرضية خسارتها واندحارها وتمزقها، ولم يثبت إلا منهجه عليه الصلاة والسلام في الأرض.
ضلت طوائف في اتباعه عليه الصلاة والسلام، منهم أهل التصوف، فإنهم لم يتبعوه في حاله وعبادته صلى الله عليه وسلم، فجنحوا، وجعلوا العبادة جوعاً وسهراً وتمزقاً وزوايا ومرقعات ما أنزل الله بها من سلطان: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}) ([الحديد:٢٧] فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل كما في صحيح مسلم من حديث عائشة، يقول: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}
فعليكم بالإكثار من هذا الدعاء، فإنه من أعظم الأذكار في الفتن والحوادث والأخطار وهو المنجي، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الجمعة:٨] وقال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢] قال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:٧٨].
فلا عيش إلا باتباعه عليه الصلاة والسلام، وأتباعه هم أهل السنة والجماعة، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
وإني في هذا الموقف أترحم على الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإن له أعظم الدور واليد البيضاء على هذه البلاد بدعوته الناصعة، السلفية الجميلة البديعة، دعوة التوحيد، ولذلك تجد الصفاء، ولانقولها تعصباً بل العامي في مثل هذه البلاد يعادل كثيراً من العلماء في البلاد الأخرى.
فالعامي بسبب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعادل في معرفته للعقيدة والسنة واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام علماء في البلاد الأخرى، وهذا في العموم الغالب، فرحمه الله رحمة واسعة، كيف جدد الدين، وعلمه الناس، ولذلك أذكر نبذة مما فعل:
من خططه في نشر العلم في البلاد:
حيث كان ينشر في الرياض وضواحيها، أتباعه وتلاميذه في المدارس التي تقوم من بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ويدرس فيها كتاب التوحيد والأصول الثلاثة وكشف الشبهات.
وكان الناس يحضرونها كما أخبرنا كثير من المشايخ بما يشابه الإجبار، لا بد أن يحضروا الحلقات، فتغلق الحوانيت والدكاكين، والمتاجر، ويأتي أهل المزارع بعد أن يذهبوا إلى بيوتهم فيحضرون الحلقات، ويتحدث العلماء، وينشرون العلم والسنة، وتفتح المساجد أبوابها لهذا الخير العظيم الذي أتى به الله للعباد.