[رعاية الله لعمر بن الخطاب]
جاء رجل أرسله كسرى من بلاد فارس ليفاوض عمر بن الخطاب - عمر العادل الأمين الصادق، عمر الزاهد العابد-:
حسبي وحسب القوافي حين أرويها أني إلى ساحة الفاروق أهديها
فأتى الهرمزان وبه من الخوف ما لا يعلمه إلا الله، لأنهم سمعوا جلجلة وصيت عمر في الأقاليم، فهو قد فضفض الدنيا ودوخ المعمورة، فأتى الهرمزان فقال: كيف أقابل عمر؟ وكيف أدخل عليه؟ وكيف أستطيع أن أتكلم مع هذا الرجل الذي ضربت جيوشه الدنيا؟ قياداته وكتائبه وصلت إلى المدائن، فقال هو والوفد: أين بيت الخليفة عمر؟ قالوا: تلقاه في تلك السكة، فذهبوا إليه، فوجدوا بيت عمر مطروحاً في سكة من سكك المدينة، قال: أهذا بيته؟ قالوا: نعم.
هذا بيته، قال: أين هو؟ قالوا: نطرق عليه الباب، طرقوا فخرج ابن لـ عمر فقال: التمسوا أبي في المسجد، فإن من عادته أن ينام في الضحى، فذهبوا إلى المسجد، فبحثوا فلم يجدوه في المسجد، فخرج أطفال المدينة يبحثون عن الخليفة، فوجدوه نائماً تحت شجرة عليه بردة فيها أربع عشرة رقعة، وقد أخذ حجراً مخدة تحت رأسه واستقبل القبلة وبجانبه عصاً اسمها (الدرة) يخرج منها شياطين الجن من رءوس الإنس، فقال الهرمزان: أهذا أمير المؤمنين؟! قالوا: هذا أمير المؤمنين، قال: أهذا عمر؟! قالوا: هذا عمر، قال: أهذا الخليفة؟! قالوا: هذا الخليفة، فأخذ يرتعد ويقول وعمر نائم: حكمت فعدلت فأمنت فنمت.
سجلها شاعر وادي النيل وتغنى بها للتاريخ، فقال:
وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها
رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها
وعهده بملوك الفرس أن لها سوراً من الجند والأحراس تحميها
فقال قولة حقٍ أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها
واستيقظ عمر وفاوضه.
هذه عظمة الإسلام، وهذه حراسة الله، أن تحفظ الله ليحفظك الله، وإلا فلا عاصم من الله إلا إليه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:٨] والعجيب في أسلوب القرآن أنه قال: ملاقيكم، ولم يقل: أمامكم، وإنما تفرون والموت يلاقيكم: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:٨].
وقال سبحانه: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:٧٨].
يا باني القصر! الله أعظم منك، يا من طغى وبغى وتجبر! الله أقوى منك، يا من افتخر بالغنى! الله أغنى منك، لا إله إلا هو: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٨٨].
وفي قتل هذا الديكتاتور المجرم درس، وهو أن البنيان المهدم ينهار، والله يقول: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:١٠٩].
فهو أسس بنيانه على ظلم وخيانة وجريمة ومعصية فانهار، ولذلك انظر إلى دول الظلم كالدول الشيوعية، بالأمس روسيا وقبلها ألمانيا الشرقية واليوم رومانيا.
لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب
لماذا؟ لأنهم ما امتثلوا أمر الله، وما طبقوا منهج الله، وما أتاهم قبس من الإسلام: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩] {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [الأحقاف:٢٦] وانهارت هذه الخرافة، وكانت للناس آية، ويد الله وراء كل ما حدث في الكون وسبحان من يغير ولا يتغير!: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٨٨] {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧].
فيا من أراد حراسة الله ورعايته! احفظ الله يحفظك، واعلم أن من ضيع الله ضيعه الله: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ} [القصص:٨١].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.