سادساً: ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، فمن هو هذا؟
إنه شاب نشأ في عبادة الله، وهو من أذكى الناس، وفتح الله عليه فتحاً لا يدور في الخيال ولا يخطر بالبال، علمه كالبحر، حتى قيل فيه لما ذكر علمه:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:٢١]
هو عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والده العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسلم من صغره، وأوى إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان حافظاً لله منذ نعومة أظفاره، ركب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم على حمار، وبينما هما يمشيان في الطريق إذ قال عليه الصلاة والسلام:{يا غلام! قال لبيك وسعديك قال: يا غلام! قال: لبيك وسعديك، قال: يا غلام! قال: لبيك وسعديك، قال: إني أعلمك كلمات} هذه الكلمات -أيها المسلمون- تجمع أصول الإيمان، وأصول الإسلام، وأصول الوصاية، وهو من أعظم الأحاديث في الإسلام:{احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك،، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء إلا قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} رواه الترمذي بسند صحيح ورواه أحمد وزاد: {واعلم أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسراً، وأن الفرج مع الكرب} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث حديث عقدي في التوحيد، وفيه قضايا:
أولها: أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، والمجلد الأول من فتاوى ابن تيمية حول هذه المسألة، وهو أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، وكثير من الناس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بلسانه، ويصلي، ويصوم، ويحج، ويعتمر، ولكنه يخاف الناس أكثر من الله، ويرهب الناس أكثر من الله، ويحب الناس أكثر من الله، ويخشى أن ينقطع رزقه من طريق الناس، فيخشى الناس أكثر من خشيته لله، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام:{واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك} فالمسألة الأولى: أنه لا ينفع إلا الله.
والمسألة الثانية: أنه لا يضر إلا الله، والله لو اجتمعت الدنيا عن بكرة أبيها لتضرك ولم يرد الله ذلك؛ فلا يمكن أن تصاب بضرر، ومصداق ذلك:{واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.
والقضية الثالثة: أن من يحفظ الله يحفظه الله، ومفهوم المخالفة أن من ضيع أوامر الله يضيعه الله، واقرأ تاريخ الناس، وتصفح تاريخ ابن كثير وتاريخ ابن جرير وتاريخ ابن الأثير لتجد سيرة الرجل من أول حياته، فإذا وجدته في أول حياته معرضاً عن الله لا يصلي، ويستهزئ بالقرآن، فستجد في الأخير الطامة الكبرى؛ بأن يخزيه الله خزياً ما بعده خزي، ويكتب عليه اللعنة، ويأتيه من النكال والهوان والعذاب والأذى ما الله به عليم، واقرأ سيرة الرجل الآخر الذي قيل فيه: كان صالحاً يحافظ على الصلوات الخمس، ويحب القرآن والصدقات، فستجد العاقبة له، والعاقبة للمتقين.
حفظ الله بالتقوى؛ أن تحفظ حدود الله وتحفظ جوارحك مع الله، يحفظك الله وقت الهرم، والشدة، والكرب، والحاجة، والموت، يوم العرصات، يوم الزحام، يوم العرض الأكبر على الله، فـ ابن عباس أخذ هذا الدرس وبدأ يحفظ الله من صغره.