ليس كل تقي مؤهلاً للإمارة
وعند مسلم في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: {يا أبا ذر! إنك رجل ضعيف، وإنها أمانة، وإنها خزي وندامة يوم القيامة} والسبب أن أبا ذر قال: يا رسول الله وليت فلاناً، ووليت فلاناً وتركتني، يعني ما هو السبب؟!
لماذا تولي فلاناً على نجران مثلاً، وفلاناً في اليمن، وفلاناً في مكة، وأنا تتركني، ظن أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه أن الرسول عليه الصلاة والسلام يولي بسبب حبه للناس، قال: {يا أبا ذر إنك رجل ضعيف}.
قال بعض المحدثين: ضعيف التصريف، لأن بعض الأتقياء لا يصلح في الإدارة، لو وليته الإدارة ضاعت الإدارة، وضاعت الكراسي، وضاعت الماسات والمكتب والدبابيس والخرامات، وكل شيء يجعله فوضى، تصبح المسألة مخربة، وهو تقي يقوم الليل ويصلي الضحى، ويصوم النهار، ويقرأ القرآن لكن لا يعرف.
وبعض الناس فيه قليل من التقوى لكنه يجيد الولاية، لذلك سئل الإمام أحمد -والسؤال هذا صحيح، ذكره ابن تيمية في كتاب الجهاد من الفتاوى - أيولى على المسلمين القوي الفاجر، أم التقي الضعيف؟
قال: "بل يولى عليهم القوي الفاجر"، لأن قوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الضعيف التقي فضعفه على المسلمين وتقواه لنفسه، وابن تيمية يرى هذا ويقول: قد ولى الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض الولايات خالد بن الوليد، وفي الصحابة من هو أفضل منه، كـ أبي ذر، وفلان وفلان، وخالد أجدر بالإمرة، وأقوى في تنفيذ الأوامر، وأحسن سياسة، فولاه عليه الصلاة والسلام وهذه فائدة، فـ أبو ذر قال له صلى الله عليه وسلم: {إنك ضعيف} وفي بعض الروايات الصحيحة: {وإني أحب لك ما أحب لنفسي}.
أبي بن كعب هو أبو المنذر سيد القراء، يصلح للقراءات، فهي تخصصه ولا يصلح في الإدارة قال لـ عمر: يا أمير المؤمنين! تولي الصحابة جميعاً حتى الأنصار وتتركني، ماذا رأيت فيَّ؟ قال عمر: [[يا أبا المنذر! والله الذي لا إله إلا هو إنك من أحب الناس إليَّ؛ ولكني لا أريد أن أدنسك بالدنيا]] أريد أن تبقى نظيفاً.
ولذلك يصفون أبي بن كعب فيقولون: كانت لحيته بيضاء وجسمه أبيض، ورأسه أبيض، وثيابه بيضاء {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٣٥].
قال: [[والله إنك من أحب الناس إلي؛ ولكني لا أريد أن أدنسك بالدنيا]].
وعند البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إنكم لتحرصون على الإمارة، وإنها خيبة وندامة يوم القيامة} لا إله إلا الله! ووقع والله، كان أحد الصحابة إذا ذكر هذا الحديث يبكي ويقول: [[والله حرصنا عليها حتى قتل بعضنا بعضاً عليها]] ولذلك كان في جبلة العرب الحرص على الإمارة.
الآن الطلاب في المركز الصيفي أو في المخيم إذا أركبتهم في (أتوبيس) وتقول: العريف عليكم فلان، قاموا يضاربون يريدون العرافة.
يقول أحد المفكرين: العرب مثل قرون التوت، يسافر ثلاثة منهم فيختلفون في الأمير، يريد كل منهم أن يكون أميراً، ويريد أن يكون إماماً، بكى ذاك الصحابي وقال: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد حرصنا عليها حتى قتل بعضنا بعضاً]] نعوذ بالله من حرص على المسئولية، فإنها والله ندامة وخزي إن لم يحسن العبد التعامل ويراقب الله في ذلك، وقال رسول الهدى عليه الصلاة والسلام: {إنا والله لا نولي هذا الأمر أحداً سأله أو حرص عليه} وهذا الحديث زادنا فائدة وهي: أن من سأل الأمر أو حرص عليه ففيه نظر، إلا إذا ظهرت القرائن أنه يريد أن ينصر الإسلام من هذا المنصب، فجزاه الله خير ما جزى والياً عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام.