أولها: أن التفاضل بخشية الواحد الأحد، وليس بكثرة الصيام ولا الصلاة، ولا الزكاة ولو أنها من أسباب الخير؛ لكن إذا لم تؤد إلى الخشية فيبقى التفاضل بها نسبياً فأفضل الناس أخشاهم لله.
الأمر الثاني: أننا مهما فعلنا فلن نوازن ولو قلامة ظفر من فضل الصحابة رضوان الله عليهم، ولو أنفق أحدنا مثل أحد ذهباً أو فضة ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
الأمر الثالث: أن نوافل الأعمال هي المقربة من الواحد الأحد وهي التي تقرب العبد إلى الله، لا أسرته ولا وظيفته، ولا جاهه، ولا منصبه، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:{قال الله تبارك وتعالى -في الحديث القدسي- ما تقرب إلي عبد بأحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه}.
الأمر الرابع: أن التوكل على الله عز وجل لا ينافي الأخذ بالأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر تحصن بالدروع وأخذ السيوف والرماح صلى الله عليه وسلم، وكذلك أبو بكر، ومع ذلك يقول:{يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟} يقول بعض العلماء: ترك الأسباب قدح في العقل، والاعتماد عليها قدح في الشرع، والسلامة أن تجمع بين التوكل والسبب، وحتى نفهم هذا أضرب مثلاً بطالب يريد أن ينجح في الامتحان، قلنا له: ذاكر، فإذا ترك المذاكرة وقال: أنا أنجح متوكلاً على الله بدون مذاكرة ففي عقله شيء، وإذا اعتمد على المذاكرة ونسي الله فهذا قدح في الشرع.
وإذا قال: أنا أنجح بلا مذاكرة، ولا توكل على الله فقد قدح في العقل والشرع، ويمكن أن يصل إلى درجة النفاق، وإذا أخذ بالتوكل والسبب فذاكر وتوكل على الله، فهو المؤمن الكامل، وكذلك كان أبو بكر قال بعض أهل العلم: ومن شدة توكل أبي بكر على الله عز وجل أنه أنفق أمواله في سبيل الله وما خاف العنت، وقال بعض أهل العلم: إذا خفت لأنك ما بلغت هذا المستوى فلك أن تبقي بعض مالك، لأنه لا يصل إلى درجة أبي بكر إلا القليل من الناس، رضي الله عنه وأرضاه.
فهو أفضل الناس بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعتقد أهل السنة والجماعة أنه الصديق الأكبر وأنه أول الصحابة فضلاً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي خلافاً لأهل البدعة.
وقد روى ما يقارب مائة وثلاثة وثلاثين حديثاً أو قريباً من ذلك كما في مسند الإمام أحمد، وفيه كذلك فائدة أن العلم ليس بكثرة الرواية، وأن الخوف من الله ليس بكثرة الكلام وإنما هو بخشية الله الواحد الأحد.
أسأل الله أن يجمعنا وإياكم بـ أبي بكر الصديق، وأن يرينا وجه أبي بكر الصديق، وأن يجعلنا ممن يجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق.