ثم قال البخاري: باب ما يجوز من اللو؛ لأنه ورد عند مسلم وابن ماجة وأبي داود وأحمد بألفاظ متباينة، يقول عليه الصلاة والسلام:{المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، وإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل} فالآن هل يجوز لنا مع هذا النهي في الحديث أن نطلق "لو" وأن نتلفظ بها؟ هذا ما سيظهر لنا من مقصود البخاري.
قال حدثنا علي بن عبد الله.
علي بن عبد الله هو: المديني شيخ الإمام البخاري، إمام كبير وأمير المؤمنين في الحديث، كان حفظه للحديث كالسحر، يقول البخاري على جلالته في الإسلام: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني.
قال: حدثنا سفيان بن عيينة، سفيان في السند اثنان: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وكلاهما جليلان، وحماد في السند اثنان: حماد بن سلمة وحماد بن زيد وكلامها جليلان أيضاً.
حدثنا: أبو الزناد، عن القاسم بن محمد، قال:{ذكر ابن عباس المتلاعنين، فقال عبد الله بن شداد: أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجماً امرأة من غير بينة؟ قال: لا! تلك امرأةٌ أعلنت} الشاهد هنا "لو".
أما قصة هذا الحديث فهو أنه أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! إذا وجد الرجل مع امرأته رجلاً آخر ماذا يفعل؟
فكره عليه الصلاة والسلام هذه المسألة؛ لأنها لم تقع بعد والإنسان يطلب ستر الله وعفوه وكرمه، فكره صلى الله عليه وسلم المسألة، ولم يجب عليه الصلاة والسلام الرجل، فوقع الرجل في هذه المغبة والمسألة، فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فشكى امرأته إليه، فقال عليه الصلاة والسلام:{البينة وإلا حد في ظهرك، قال: يا رسول الله! والله ما كذبت ولا كُذبت، قال: البينة وإلا حد في ظهرك} أنت قاذف والقاذف يجلد ثمانين جلدة، قال:{يا رسول الله! ما كذبت ولا كُذبت} وخرج يسأل الله أن يجعل الله له مخرجاً، إما أن يجلد وتفارقه زوجته؛ لأنه قاذف، وإلا أن يقيم البينة، وتُرجم زوجته، فأنزل الله عز وجل الحل لهذا الملاعنة في سورة النور، فاستدعاها صلى الله عليه وسلم واستدعاه، ووعظه بالله وذكَّره بلقائه وموعوده والعرض عليه، فلاعن وتقدم، ثم أخذها وذكرها بموعود الله والعرض على الله، والوقوف بين يديه، فتقدمت، وفي الأخير قال عليه الصلاة والسلام:{انظروا لها وقد حملت! إن أتت به كيت وكيت فهو شبيه بزوجها، وإن أتت به كيت وكيت فهو شبيه بالرجل الذي رميت به} فوضعت بالرجل التي رميت به، نسأل الله العافية!
قال عليه الصلاة والسلام:{والذي نفسي بيده! لولا ما سبق من الكتاب لكان لي ولها شأن} أي: لولا آية سورة النور لكان لي ولها شأن -يعني: الرجم- وقال عليه الصلاة والسلام:{لو كنت راجماً امرأة من غير بينة} أي: لرجمتها، فـ"لو" هنا استخدمها صلى الله عليه وسلم.