{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] تلكم هي الكلمة التي بثها محمد عليه الصلاة والسلام في الكون، ولكن أيضاً اخترت هذا العنوان لأقول للمتسرع وللمتعجل: إننا مبشرون لا منفرون، وأقول للمتهجم المجرح: إننا مبشرون لا منفرون، وأقول للمكفر المفسق إننا مبشرون لا منفرون، وأقول لمن يسيء الظن بالناس ولا يقبل ما فيهم من حسن، ولا يمد الجسور معهم، ولا يمد لهم حبال الود: إننا مبشرون لا منفرون.
إخوتي في الله! الأصل في الإسلام التبشير، وآيات التبشير في القرآن أكثر من آيات التخويف والتحذير، وقد ذكر ذلكم الإمام النووي، ولما كتب كتابه رياض الصالحين جعل للرجاء بابين، وللخوف باباً واحداً فقط.
إن العصاة والبعيدين عن الإسلام، أو الفجرة أو المنافقين لا يمكن أن يعودوا إلا بتبشير، ولا يمكن أن يجروا إلى حلبة الإسلام إلا بتبشير، ولا يمكن أن تعالج التعاسة فيهم والندامة والخزي والقلق إلا بتبشير.
الرسول عليه الصلاة والسلام مبشر قبل أن يكون نذيراً {وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً}[الأحزاب:٤٥] وهو يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والقرآن مبشر {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}[الأعراف:٢] وذكر الله كتابه فقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}[الإسراء:٩].
المستقبل المشرق إنما يأتي بالتبشير، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه آيات البشرى وعلامات التبشير والعاقبة للمتقين، وأخبر رسوله بأنه سوف يفتح العالم، وبشر الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه.