[الغربة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم]
تنتهي هذه الكلمة في مهدها، ولكنها تشب مبدءاً وتغييراً في محاربة السنة.
ويموت عليه الصلاة والسلام، ويأتي أبو بكر وحربه العَقََدِية شاملة لكل جانب، حربه رضي الله عنه وأرضاه حربٌ ظاهرة تمردٌ على الإسلام أناس يرفضون من قيام (لا إله إلا الله) وأناس يرفضون أداء الزكاة، وبالفعل حاربهم وانتصر عليهم رضي الله عنه وأرضاه.
ويأتي عمر بن الخطاب عمر الذي حمى الله به الإسلام لما طُعِن عمر بكى عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه وقال: [[والله ما أريد أن ألقى الله بعملِ رجل إلا بعمل كعملك]] وقال أحد العلماء: " كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر فلما أتى عمر بخلافته الراشدة رضي الله عنه وأرضاه كان يحارب الزيادة والابتداع في دين الله، حتى كثرة الحديث لا يريدها؛ لأنها تشغل في نظره عن القرآن، فلما سمع أبا هريرة يحدث كثيراً كثيراً، قال: [يا أبا هريرة: والذي نفسي بيده إما أن تمسك عن الحديث، أو لألحقنك بأرض القردة، أرض دوس]] يعني: في بلاد الزهران.
طرق عليه أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه، كما في: الصحيح فلم يأذن له؛ فطرق مرة ثانية؛ فلم يأذن له، فطرق ثالثة؛ فلم يأذن له، فذهب أبو موسى، وفتح عمر البابَ رضي الله عنه وأرضاه، وقال: [[يا أبا موسى: تعال، لماذا عدتَ؟ قال: سمعتُ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليعُد} قال: والذي لا إله إلا هو لتأتيني بشاهد على هذا أو لأوجعنك ضرباً]] لا يريد الزيادة في دين الله؛ يريد التثبت، ولو أن أبا موسى ثقةٌ ثَبْتٌ، عدلٌ مُرتضى من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهب أبو موسى يرجف فؤاده إلى الصحابة، ويقول: [[أنقذوني، أنقذوني]] يريد شاهداً، قال الأنصار: [[والله لا يقوم معك إلا أصغرنا]] فشهد له، فأمضى عمر هذه السنة في الناس.
وفي يوم من الأيام جلس عمر رضي الله عنه وأرضاه وليت عمر يحضر مجالسنا، أو ليته رأى بعض مجالسنا ونحن الذين ندَّعي الغربة؛ مجالس الخلافيات الفكرية، والجزئيات التنظيرية التي لا تنفع ولا تُجْدي، مجالس التهجم على المسلمين إذا أخطأوا في جزيئات، أو خالفونا في أساليب أو فرعيات، يكيل الصاع صاعين، ولو أننا أردنا وجه الله والدار الآخرة لسعينا لجمع كلمة الإسلام، هذا يعمل على أسلوب، وهذا له مظلة، وهذا له اتجاه، نحمي عرضَه، ونُعِدُّ أنه مِن الذين أنتجوا في الساحة الإسلامية، ولهم دور في إنقاذ الهمم، وفي إمضاء هذه الصحوة وتوجيهها إلى الله عزَّ وجلَّ، وهذا له حسنة في المحافظة على معتقد السلف، هذا له حسنة في الرد على الشبه، هذا له حسنة في تعليم العوام فلماذا نصادر جهود الناس؟ لماذا نتهجم على بعضهم في المجالس؟ إسرائيل تقصفنا بالطائرات، وتغطي شمسنا بطيرانها، ونحن بيننا نتحارب؟!
وأطفأتْ شهبُ الميراجِ أنجمَنا وشمسَنا، وتحدَّت نارها الخُطَبُ
شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا
قالوا: هم البشر الأرقى، وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا
تسرُّعٌ في الفتيا موجودة في الساحة، يقول أحد التابعين للتابعين: [[والذي نفسي بيده إنكم لتفتون في مسائل، لو عرضت على عمر بن الخطاب، لجمع لها أهل بدر]].
نحن تناحرنا إلاَّ من رحم الله فيما بيننا، ردود، ومسائل جزئية؛ لكن الكفار لا يعرفون هذا، الكفار ليس بينهم ردود، فكلهم يختلفون؛ لكنهم في حرب الإسلام يتفقون.
فأتى رجلٌ عمر، فقال: يا أمير المؤمنين! قال: نعم قال: في المعسكر رجل يعارض بين الآيات قال: ماذا يقول؟ قال: يقول: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:١ - ٢] كيف نجمع بينه وبين قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:١] قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: تعال به {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:١] {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:١]: كلام كبير، من حكيم بصير، لو وقعت على الجبال، لتشققت الجبال، كلام الله، لا كلام مسيلمة، فجلده عمر حتى تاب.