[أركان شكر الله]
إن شكر الله أركانه ثلاثة:-
أن تلهج باللسان بشكر المولى، شكراً لله الواحد الأحد المبدع المصور، وكل شيء في الكائنات له وحده.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
كان ابن تيمية مريضاً فدخل عليه بعض أصحابه وقالوا: ماذا أمرضك يا ابن تيمية، قال: كيف أشكو عليكم الله؟
تموت النفوس بأوصابها ولم يدر عوادها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها
أما أبو بكر مرض فقالوا من أمرضك؟ قال: أمرضني الطبيب، من هو؟ الواحد الأحد، هو الذي يمرض ويشافي ويعافي، يقول إبراهيم عليه السلام: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:٨٠] يقول أهل التفسير لله درُّ إبراهيم.
لماذا؟ لأنه قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:٧٨] ثم قال: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء:٧٩] ولما أتى عند المرض، ما قال: والذي أمرضني مع أن هذا هو الصحيح، لكن تأدب مع الله فقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:٨٠] أنا الذي مرضت، وهو بقضاء من الله، لكن ما أراد أن يسيء بالأسلوب: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:٨٠].
قالوا لـ أبي بكر من أمرضك؟ قال: الطبيب، قال أحد السلف:
كيف أشكو إلى طبيبي بما بي والذي أصابني من طبيبي
شكر النعم ركنه الأول: اللسان، والركن الثاني: القلب، أن تشكر الله بقلبك، وأن تعتبر أن كل شيء في الحياة من نعم الله.
أنعم الله على آل داود، فقال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] قال داود: يا رب! كيف أشكرك؟ قال: اشكرني بما أردت، قال: لا أستطيع، قال: أتعلم أن هذه النعم مني؟ قال: نعم، قال: فقد شكرتني، مادمت تعرف أن المنعم هو الله، فقد شكرته.
والركن الثالث: العمل، فشكر الله الصلاة في المسجد، وشكر الله صدق مع الله، وشكر الله ذكر لله، وتلاوة للقرآن، وتوبة نصوح وعودة إلى الواحد الأحد: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢].
قال ابن عباس: [[والذي نفسي بيده، إن هذه القرية مكة]].
ونحن نقول: مكة ومن أمثال مكة كل من أعرضت عن منهج الله، فهي مثل تلك القرية، ضرب الله مثلاً للناس قرية، لكن أسلوب القرآن متأدب، لم يسم لنا مكة، أسلوب القرآن لا يجرح المشاعر، ولم يسم البشر في القرآن، لم يقل: أبو جهل ولو أنه قال في بعض المناسبات لسر من الأسرار، لكن ما كان يفضح القرى، قال: {مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [النحل:١١٢] زبيب الشام، وتمر العراق، وبر اليمن، وخضروات الدنيا كلها تأتي إلى مكة، حتى يقول الله وهو يؤنبهم ويعاتبهم: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:٥٧] يقول كفار مكة، يا محمد! لو اتبعناك خشينا من الأعداء، فرد عليهم سبحانه وقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:٥٧].
أيها المسلمون! يقول سبحانه عن هذه القرية: {آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل:١١٢] ونعمة الأمن لا يعادلها شيء، والخوف لا قرار معه، والخوف لا حياة فيه: {آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل:١١٢] كيف كفرت؟ ماذا فعلت؟ أعرضت عن منهج الله وكفرت بلا إله إلا الله، وعطلت المساجد، وقضت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم تستمع للدعاة ولم تتلوا كتاب الله، ولم تتبع رسول الله وعطلت سنن الله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢].
أكلوا حتى لحوم الميتة، وكانت الحمير تموت فيقسمون جلد الحمار -كما يقول أهل التفسير- لأنهم صدفوا عن منهج الله.