[سبب نزول آية التحريم]
أتت حفصة وعائشة رضوان الله على الجميع، زوجاته صلى الله عليه وسلم، وقد مر يوماً بجارية له فأكل عندها عسلاً، فسمعت عائشة أنه أكل عسلاً عند الجارية فأخذتها الغيرة، وقيل: عند بعض نسائه، قيل: جاريته مارية، وقيل: جامع مارية وهي جاريته حلالاً له عليه الصلاة والسلام، فقالت عائشة لـ حفصة: إذا أتاك فقولي نشم منك يا رسول الله رائحة مغافير، وكأن نحله جرست العرفط -شجر منتن الرائحة- والرسول عليه السلام يغضب وينكر ولا يرتاح إذا وجد منه رائحة، وقد كان دائماً يفوح مسكاً، إذا مر من الطريق علم الناس أنه مر من الطريق
أرادوا ليخفوا قبره عن مكانه فطيب تراب القبر دل على القبرِ
نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ
يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
وكان عرقه كالمرجان والجوهر والدر ينسكب فيؤخذ منه الأطياب، فيصبح أحسن طيب، أخذته أم سليم في قارورة، وخلطت عرقه فيها، وكان إذا مرض أحد من أهل بيتها أخذت قطرة فخلطتها بالماء، ثم غسلت المريض فتشافى بإذن الله.
فدخل على عائشة، وقد جهزت حفصة الكلام أيضاً -هذه جبهة متحدة ضد الرسول عليه الصلاة والسلام، حلف نسائي بيتي يريدون معارضة الرسول عليه الصلاة والسلام- فدخل على عائشة، فقالت: يا رسول الله! أشم منك رائحة، فأخبرته الخبر، فاستاء صلى الله عليه وسلم من هذه الرائحة.
وذهب إلى حفصة فقالت: أشم منك رائحة مغافير كأن نحله جرست العرفط، فحرم النبي على نفسه العسل، وفي رواية حرم الجارية، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:١] هذه القصة بكل جزئياتها ومدلولاتها، وما دار بين الجارتين والشريكتين والضرتين في البيت، ومن تدخل في القضية ومن المصيب ومن المخطئ، وحلل القضية برمتها في بيتٍ من بيوته عليه الصلاة والسلام، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:١].
ثم بين له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن حفصة أو عائشة تقول له: من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير!! قال: سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:٤].
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحلِ
اغفر لعبدٍ تاب من زلاته ما كان منه في الزمان الأولِ
هذه الأبيات للزمخشري، قيل إنه رئي في المنام، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي في ثلاثة أبيات.
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل
ما من بعوضة تمد جناحها إلا علم الله بذلك، والخلق كل يومٍ في شأن، كم يموت من الألوف! وكم تلد من النساء! وكم تتغير من الحكومات والدول! وكم تنشأ من المستعمرات! وكم تنتصر من جيوش، وكم تهزم! وكم تجوع من بطون! وكم توسوس من أفكار! وكم يضل من قوم وكم يهتدي من بشر! وكم يقرأ من أناس! وكم يستيقظ من خلق وكم ينام! كله في علم الله لا يغيب، قال: فغفر له.