الحمد لله، والصلاة والسلام على خير عباد الله، خير الخلق أجمعين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
إن الواجب في البداية تقديم الشكر للإخوة الكرام الذين نجحوا للمرة الرابعة -بتوفيق الله- في تقديم مثل هذه الأمسيات الأدبية التي أعادت إلى ساحة الأدب الكثير مما قد يُفتقد من ضرورة مراعاة مسئولية الكلمة.
لقد سعدت حقاً -ولست الوحيد، بل الجميع معي في هذا الأمر- بأن سمعنا هذه المحاضرة الطيبة عن هذه القصائد التي قتلت أصحابها، ولقد كان هنالك تساؤل كبير في العالم كله، وهو: هل دالت دولة الشعر أمام هدير الآلة وصخب الحياة؟ إن الواضح هو أن الشعر ما زال قادراً على أن يستحوذ على الاهتمام وأن ينال الإعجاب.
أريد في مداخلتي هذه أن أقول للدكتور/ عائض: لِيَهْنِكَ ما أعطاك الله، وبارك الله لك في هذه القدرة على هذه السياحة الأدبية التي أخذتنا معك فيها، وأريد أن أقول لكثير من سادات الأدب: إن الدكتور/ عائضاً بقدرته على تحويل هذا الموضوع الجاد إلى موضوع فيه الكثير من الطرافة يمثل مدرسة يجب أن نستفيد منها إن كثيراً من المحاضرات تبدو متجهمة وصعبة لكنها بشيء من هذه الخلطة السرية التي نرى أمثالها في هذه المحاضرة قادرة على أن تستحوذ على الإعجاب.
أريد أن أقول كلمة حول ما شاع من أن أعذبَ الشعر أكذبُه: هذه الكلمة تُعَد قضية من قضايا النقد، وهل أعذبُ الشعر أكذبُه أم أعذبُ الشعر أصدقُه؟ والشائع أن العرب يتذوقون الشعر الكاذب كما يتذوقون الشعر الصادق؛ لكن الحق خلاف ذلك، فـ ابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة يؤكد أن مذهب اليونان هو أن أعذبَ الشعر أكذبُه، والآمدي في الموازنة ينفي أن يكون مذهب العرب هو أن أعذبَ الشعر أكذبُه، ويقول: لا والله بل أعذبُ الشعر أصدقُه.
أريد أن أقول: إن تضاعيف هذه المحاضرة قد لمست جراح الحياة الأدبية في كثير من أقطاع العالم العربي؛ التي أبعدت بشكل كبير قول الرسول صلى الله عليه وسلم:{إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار سبعين خريفاً، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضا الله تكون له منزلة عالية في الجنة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ينال هذه المنزلة العظيمة في رضا الله بكلمة وهو لا يلقي لها بالاً، فما بالك بكثير ممن يدبِّج الكلمات في سخط الله، ويضع الأدب المنحرف، وينشره ويوزعه، ويهتم به وينقده ويؤيد أهله؟! مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكد على أن هذا الرجل وهو يلقي هذه الكلمة لا يلقي لها بالاً، ومع ذلك تحل عليه سخط الله.
تحية للدكتور/ عائض، ولزميلي الكريم الدكتور/ حبيب على هذه المحاضرة، وتحية لكم.