[الهداية إلى الصراط المستقيم]
في القرآن ثلاث آيات تتحدث عن هذا المبدأ، يقول سبحانه وهو يوجه المؤمنين إلى الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] وقال سبحانه: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:٦٨] وقال سبحانه: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:٢].
قيل: القرآن، وقيل: محمدٌ عليه الصلاة والسلام، وقيل: طريق النجاة، وقيل: الإسلام، والصحيح: أنه كل ما يهديك إلى الله فهو الصراط المستقيم، والصحيح أنه الإسلام، فهو الطريق الذي وقف في أوله صلى الله عليه وسلم ورفع فيه راية لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطريق الذي يؤذن فيه بلال، والطريق الذي سلكه من قبل نوح وآدم وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، هو الطريق الخالد لذاك الموكب الكريم، فهذا هو الطريق المستقيم: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧] وهم الأنبياء والرسل والصالحون والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، والصراط المستقيم هو أقرب موصل بين نقطتين، فليس فيه عوج ولا لبس، ولا مذاهب أرضية، ولا أطروحات بشرية، إنه مستقيم جد مستقيم يوصلك إلى الأمام.
ولا تركن لغير الهداية، لا تتوقع أن منصبك أو كرسيك أو مالك أو ولدك سوف ينقذك من عذاب الله، إن لم تتشرف بحمل الهداية، قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:٩٣ - ٩٥].
لبيد بن ربيعة أحد شعراء العرب كان شاعراً مشهوراً، كان عنده جماهير، يصفقون له ويمدحونه، لكنه ذاق جرعةً من دواء محمد عليه الصلاة والسلام، فوجد الهداية، فاعتزل الشعر والجماهير والغناء، وقال:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
إذا وصل بك الحال إلى أن لم تكتشف في هذا القرن الخامس عشر، أن الهادي بعد الله -هداية الدلالة- محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فإنك إذاً ما اكتشفت، ولا عرفت شيئاً.
وقال سبحانه: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:٦٨] وهذه في سورة النساء، يقول الواحد الأحد: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:٦٦ - ٦٨].
والخطاب لليهود، ولكل من سار على منهج اليهود، أو شابه اليهود في سيرهم، يقول: لو فعلوا بهذه السنة وهذا القرآن والوحي {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:٦٦ - ٦٨].
وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:١٣] أنا وأنت علينا ميثاق، والميثاق ختمٌ أتى به صلى الله عليه وسلم، فمن حمله في كتفه أداه إلى الجنة، وهذا الميثاق يقال عليه: شارة المدينة، وخرج من مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو علامة لـ أهل السنة، إذا رآهم المحاسبون يوم العرض الأكبر أدخلوهم الجنة، ومن لم يحمل الختم فليس على مسيرة محمدٍ عليه الصلاة والسلام.
وقال سبحانه للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:٢] وهذه الآية من سورة الفتح التي نزلت بعد صلح الحديبية.
قال أهل العلم: "كيف يهديه وقد هدي؟ واهتدى وهدى الملايين؟ لساني ولسانك، وعيني وعينك، وأنفي وأنفك، وأذني وأذنك، كلها أدواتٌ تتحرك بلا إله إلا الله، هذه الملايين اليوم التي تصوم في شعوب الأرض كلها ورقات من شجرته عليه الصلاة والسلام:
أتطلبون من المختار معجزةً يكفيه شعبٌ من الأموات أحياهُ
ويقول شوقي:
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
يقول شوقي: إن كان عيسى أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله، فأنت يا رسول الله! أتيت إلى شعوبٍ ميتة، وإلى حضارة واهية، وإلى قلوب متفلتة، فأحييتها بلا إله إلا الله!! وأعدتها إلى الله، وحركتها بلسان الحق، حتى خطبت على منابر الدنيا، قال أهل العلم: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:٢] أي: يزيدك هداية إلى هدايتك!!
وكان عليه الصلاة والسلام، إذا قام في الليل -وهذا عند مسلم من حديث عائشة كان إذا قام من الليل يقول:: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل! فاطر السماوات والأرض! عالم الغيب والشهادة! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفَ فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم} فهداه الله هدايةً عامة، وهدايةً خاصة، وهدى به الأمم عليه الصلاة والسلام.