[وقفات مع آيات الصيام]
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم عليه من معلم جليل، ومؤيد بجبريل، ومذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
يا مسلمون! يا مصلون! يا صائمون! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن أجلسني أمام الصالحين الأبرار، والنبلاء الأخيار، ثم أشكر أهل الفضل لفضلهم وهم الداعون من ثانوية الملك خالد بهذه المنطقة، مديراً وأساتذة وطلاباً.
جاءكم ضيف كريم على أنفسكم، وأتاكم حبيب طالما تشوقتم إليه، أو الكثير منكم طالما تشوق إلى هذا الضيف، وهو الصيام وشهر رمضان.
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام
قد لقيناك بحب مفعمٍ كل حب في سوى المولى حرام
فاقبل اللهم ربي صومنا ثم زدنا من عطاياك الجسام
لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام
أتى شهر رمضان وقد فقدناه سنة، وفي هذه السنة الله أعلم ماذا فعلنا فيها؟ ذنوباً وخطايا، ومعاصٍ وفواحش، كبائر وصغائر، تخلف عن الجماعات، وإغضاب لرب الأرض والسماوات، سيئات كثيرة، لكننا نسأل الله مغفرة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش كبيرة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
أتى رمضان ووقف العصاة على أبواب التوبة أتى رمضان وتحركت القلوب إلى باريها أتى رمضان لتبكي العيون التي ما عرفت الدموع أتى رمضان لتلين القلوب التي كانت قاسية أتى رمضان لتجوع البطون التي طالما شبعت وما عرفت الجوع أتى رمضان لتضمأ الأكباد التي ما عرفت الضمأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:١٨٣].
يا مؤمنون! يا مصلون! يا حملة الرسالة الخالدة! يا أهل المساجد! يا أهل الثلث الآخير من الليل! أنتم المؤمنون لا غيركم، الآية لا تخاطب الفنانين والفنانات، ولا الراقصين والراقصات، ولا المطبلين والمطبلات، إنما تخاطب أهل الإيمان، الذين غرسوا في قلوبهم لا إله إلا الله، والذين سجدوا لله، وتوجهوا إلى الله: يا أيها الذين آمنوا.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك: يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:١٨٣] فهو واجب وفريضة وليس بسنة: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣] والمقصد من الصيام أن يتقي العبد ربه.
كيف يتقي العبد ربه بالصيام؟
إذا جاع انكسر وتواضع وعرف الله، فالعين لا تغض عن الحرام حتى يتقي العبد ربه، والفرج لا يحفظ إلا إذا اتقى العبد مولاه، ومتى يحفظ؟ إذا جاع.
إن الشبع وكثرة المطعومات والملبوسات، والمرطبات والمشروبات والمشهيات تجعل القلب جباراً، لا يغض طرفه، ولا يحفظ فرجه، ولا يدري ماذا يأكل، ولا يحفظ أذنه من الحرام.
{{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١] فالتقوى في الصيام، يقول عليه الصلاة والسلام: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} يوم يصوم العبد تذبل روحه، وينكسر قلبه، ويتوجه إلى الله، ويصبح عبداً لله.
فيا أيها الإخوة! من منطلق هذه الآيات نأخذ دروساً من الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:١٨٣ - ١٨٤] ليست شهوراً، كم أكلنا؟ كم شربنا؟ كم تمتعنا؟
إحدى عشر شهراً ونحن نأكل أفلا نصوم شهراً واحداً؟ إحدى عشر شهراً نشرب أفلا نصوم شهراً واحداً؟ {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٨٤]
مرحباً برمضان، شهر التوبة، وأسأل الله في هذه الليلة المباركة أن أكون وإياكم والمسلمين من عتقاء هذا الشهر، الذين اطلع الله عليهم في ليال حبيبة قريبة من ليالي الصيام، فأعتقهم من النار، ويحرَّم أجسادهم على النار، وعظامهم وعصبهم وشحمهم ودماءهم.
يا رب! عبادك بين يديك من يرحمنا إذا لم ترحمنا؟! من يغفر إذا لم تغفر لنا؟! من يقبلنا إذا رددتنا؟! من يتوب علينا إذا لم تتب علينا؟!
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار
{شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة:١٨٥] ما هي مواصفاته وصفاته؟ {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:١٨٥]؟
يا أيتها الأمة التي كانت أعرابية بدوية متخلفة ساذجة، فأنزل الله عليها القرآن؛ فحكمت الدنيا!
يا أيتها الأمة التي ما عرفت الثقافة والمعرفة والنور فأنزل الله عليها القرآن ففتحت الدنيا!
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة:١٨٥] لك الحمد، ولك الشكر، ولك الثناء الحسن: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:١٨٥] لكن هنا قضايا:
أولاً: هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام.
كيف كان يصوم؟
ثانياً: أثر الصيام في تربية النفس التلاوة الصدقة النوافل ذكر الله التفرغ للعبادة طرد الشيطان إلى غير ذلك من القضايا.
ثالثاً: الأعمال الصالحة في رمضان، بم نقضي شهر رمضان؟
وهذه المآسي التي نعيشها إن لم نوجد لها حلاً إسلامياً سوف نستمر في الخطأ، أصحيح أن رمضان يحدث في بعض الأماكن، وفي بعض الأسر والبيوت رجالاً ونساء يكون موسماً للنوم، النهار نوم والليل يقظة وسمر وسهر في غير طائل، بل في المعاصي والمخالفات، ثم يأتي الإفطار فتكون مطعومات ومشروبات ومرطبات تكفي الجماعات الهائلة ثم ترمى وتهلك وتهدر بلا حساب ولا مراقبة لله؟
تلك خطايا سوف نمر بها هذه الليلة، لكن ما هي الأعمال الصالحة التي نقضيها في شهر رمضان؟
ذلكم ما سوف نستمع إليه في هذه الليلة المباركة إن شاء الله.
المسألة الرابعة: محاذير يقع فيها كثير من الناس في رمضان.
أ- السهر الضائع أولاً.
ب- كثرة المطعومات والمشروبات والتهيؤ لهذا الإفطار والسحور بشيء الله به عليم.
ج- إدمان النوم وكثرته على حساب رقة القلب والعبادة.
د- عدم التأثر بالصيام، يدخل الشهر ويخرج ولا أثر ولا تربية ولا نزع ولا فائدة؛ فما هي فائدة الصيام؟
هـ النزول إلى المحلات والأسواق بكثرة حتى أصبحت ظاهرة عند كثير من المسلمين في رمضان؟