للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحث على حب الصالحين]

أما الحث على حب الصالحين فهناك أحاديث بلغت من الشهرة لا يمكن إخفاؤها على الناس، منها حديث معاذ في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ينادي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الملأ: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وهناك من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: {رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه} فهذا من أعظم عرى الدين، ولذلك يقول ابن عمر: [[والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غُلقاً غُلقاً في سبيل الله ثم أتيت لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية؛ لخشيت أن يكبني الله في النار على وجهي]] لأن هذا الدين دين ولاء وبراء، ليس دين ادعاء، لذلك تجد من بعض الناس المخذولين الذين أصيبوا بخذلان يصلون ويصومون، ويحجون ويعتمرون، ويرافقون ويحبون ويوالون أهل الفساد وأهل المنكر والمجرمين!! هؤلاء نعوذ بالله مما دخل عليهم من الشبه، ومما جعلهم يسيرون هذا المسار الخاطئ الذي سوف يحاسبهم الله عليه.

فـ ابن عمر يجعل حداً لمن يفعل ذلك، فلا يحب الإنسان إلا المتقي ولو كان حاله مهما كان، ولا يبغض إلا العاصي ولو كان هذا العاصي أخاه لأبيه وأمه، هذا ميزان التقوى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل}.

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

ولذلك يقول: لا تسأل عن الإنسان، ولكن اسأل مع من يرافق ويصاحب ويزاور ويجالس، واعلم أنه إذا جلس مع الفجرة ومع الفسقه والمعرضين عن الله؛ ففي نفسه شيء وهوى.

يقول ابن المبارك رحمه الله يقعد ذلك ببيتين من الشعر يقول:

إذا رافقت قوماً أهل دين فكن لهم كذي الرحم الشفيق

ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق

أهل الدين هم الذين يصاحبون في الحياة؛ لأن أهل الدين كما يقول الحسن: [[يحفظك في حضرتك وفي غيابك]] أما الفاجر فنعوذ بالله.

يقول محمد بن جعفر لابنه: لا ترافق يا بني أناساً: لا ترافق العاق؛ لأنه ملعون، وكيف تريد الخير ممن لعنه الله؟!

تريد الخير منه وقد لعنه الله من فوق سبع سماوات- قال: ولا تصاحب الفاجر فإنه يعديك بفجوره.

بعض الناس يقول: أنا مستقيم وعندي من الحصانة والقوة ما لا يمكن أن يطغى عليّ أو يؤثر بي أحد، لكن أول الطغيان وأول التأثير من جراء ذلك، أولاً: أن السنن ونور السنن تختفي عليك، فإنك بدل ما كانت تذكر الله كثيراً إذا رافقت الفجار لا تستطيع أن تهلل دائماً وتذكر الله كثيراً، فإنهم يلاحظون عليك، وينتقدون ويتغامزون عليك، فيلحقون عليك البوار والخسار نعوذ بالله من ذلك.

ثم قال: ولا ترافق كذاباً فإن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب، ولا ترافق الأحمق -هذا الرابع- فإنه كالثوب الخلق -يعني القديم- كلما رقعت منه جانباً انشق منه وتمزق من جانب آخر.

وابن المبارك يقول:

وإذا صاحبت فاصحب ما جداً ذا عفاف وحياء وكرم

قوله للشيء: لا، إن قلت: لا وإذا قلت: نعم، قال: نعم

<<  <  ج:
ص:  >  >>