قال كعب: فلما أقبل عليه الصلاة والسلام قافلاً إلى المدينة حضرني بثي وحزني، وتذكرت كل حجة أخرج بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم!
ماذا يقول؟ يقول: كنت مريضاً فيكذب على الله! يقول: كنت مسافراً وهو موجود! يقول: انكسرت رجلي وهي ما انكسرت! يقول: أنا شيخ وهو شاب! يقول: أنا فقير وهو من أغنى أهل المدينة! قال: فحضرني بثي وحزني، والبث أشد الحزن، يقول يعقوب عليه السلام:(قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)[يوسف:٨٦] قال بعض العلماء -ينسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم-: لو علم يعقوب بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:١٥٦] لقال هذه الكلمة وما قال: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ)[يوسف:٨٤] ولم يقل إنما أشكو بثي، وإنما قال:(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة:١٥٦].
قال: وأخذت أستشير كل ذي رأي من أهلي.
يذهب إلى أعمامه فيقول: ماذا أقول؟ الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يقدم إلى المدينة، وسوف يسألني لماذا تأخرت؟ وبين يدي مَن؟ بين يدي ذي نقمات قوله القيل.
حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل
الذي يعلمه الله علم الغيب، يعلم الكذب من الصدق عليه الصلاة والسلام، قال: فأخذت قرابتي، بماذا أخرج به بين يديه صلى الله عليه وسلم.
يذهب إلى عمه فيستشيره، إلى أخيه إلى قرابته.
قال: فلما قدم عليه الصلاة والسلام المدينة، دخل الموكب الكريم، والوجه الطلق، الذي أحيا الله به المدينة المنورة، فأصبحت لؤلؤة في جبين التاريخ، استفاقت على صباح جديد، ملأ آذانها أذان بلال.
المدينة التي كانت تئن بالأوثان والأصنام، استفاقت بلا إله إلا الله.