[صلة بن أشيم يحفظه الله من الأسد]
وقال ابن كثير وأبو نعيم بسندين جيدين: كان صلة بن أشيم يغزو في خراسان مع قتيبة بن مسلم، وكان صلة بن أشيم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وهو في صلاة وفي عبادة وفي بكاء، فقل لأهل الغناء وأهل البلوت، قل لأهل الطرب والفواحش صلة بن أشيم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وهو في دعاء وفي مناجاة.
قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار
قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسمار
وكان قتيبة بن مسلم يقول: الحمد لله الذي جعل في جيشي مثلك يا صلة وكان إذا قام يصلي الليل يأخذ بردة بألف دينار ويطيبها ويقول: اللهم إنك جميل تحب الجمال ما لبستها إلا لك.
فيلبسها في الليل وإذا أتى النهار خلعها، لا يتجمل للناس، ولو أن التجمل للناس مطلوب، لكن الله هو الجميل الذي يحب الجمال، كما في صحيح مسلم.
فخرج من الجيش بعد أن ناموا، ودخل الغابة وقام يصلي ويتنفل ويبكي، وهو في الجبهة في سبيل الله، قريباً من كابل التي ضيعناها يوم ضيعنا لا إله إلا الله.
بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا
قام يصلي فأتى الأسد عليه، وأنتم تعرفون الأسد، حيدرة، الهزبر، الليث، الذي سمته العرب ملك الحيوانات، كان إذا زأر في واد يرتحل العرب من الوادي، لا يصارعه أحد.
فأتى الأسد وهو في الصلاة، فدار عليه قالوا: فما تحول وما تحرك وما اضطرب، فلما سلم من الركعتين قال: يا حيدرة، ياليث، إن كنت أمرت بأكلي فكلني فإنه ليس معي سلاح إلا حماية الله، وإن كنت ما أمرت بقتلي فلن تسلط علي فاذهب واتركني أصلي، فقام الأسد فلوى ذنبه، وخفض صوته، وذهب كأنه جرو الكلب حتى دخل جحره: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤].
قال أحد العلماء: لما أطعنا الله سخر لنا الوحوش، ولما عصينا الله سلط علينا الفئران.
ولذلك يقول أحد الأدباء لما رأى إسرائيل هاجمت بلاد العرب وأخذت القدس:
أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا
تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ
نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقُصّرُ
وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر
يوم جاء عمر لفتح بيت المقدس كيف جاء؟ جاء ومعه مولاه، وهو يقول له: اركب أنت ساعة وأنا أركب ساعة.
فقال: يا أمير المؤمنين! يلقانا القواد ووجوه الناس وأنت تقود الجمل! قال: لا أم لك! من أنا؟ كنت أسمى في الجاهلية عميراً، اركب ساعة وأنا أركب ساعة.
فكان عمر يقود الجمل وخادمه يركب، ثم ينزل الخادم ويركب عمر، فلما أشرف عمر على قادة الجيوش: عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية، فتقدم عمرو بن العاص وقال: أخجلتنا يا أمير المؤمنين! أتقود الجمل؟!! قال: [[يا عمرو! نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]].