للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[محمد إقبال يصف حال المسلمين]

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا

كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا

فهذا شاعر الباكستان - محمد إقبال - أعجمي في لغته، لكنه متيقظ متنور، عربي في قلبه وفي فطرته، أتى يحج في مكة قبل خمسين سنة، وظن أنه سوف يلقى أبناء الصحابة، وأحفاد التابعين، حملة الرسالة الذين رفعوا لا إله إلا الله، ودوخوا كسرى وقيصر، وبنوا المساجد في المعمورة، حتى أصبحت مآذنها سبابات، كما يقول الأستاذ علي الطنطاوي في قصص من التاريخ، يقول: دخلت أسبانيا، فرأيت المآذن كأنها سبابات فبكيت والله؛ لأن المساجد حولت إلى خمارات.

حين تحولنا نحن من لا إله إلا الله إلى غيرها، حولت مساجدنا التي بناها أجدادنا إلى خمارات، وإلى أرض للدعارات، وإلى حانات للفسق والخيانة والعهر، مات أصحاب الرسالة، ومات حملة لا إله إلا الله، فحج محمد إقبال شاعر الباكستان، فأخذ يتلمح في وجوه الناس، فإذا أناس لا يعيشون لله - إلا من رحم الله - الوجوه كأنها أتت من باريس، أين السنة التي تظهر على الوجوه؟ القلوب كأنها مستوردة، فهمُّ أحدهم قصر وسيارة، ووظيفة ومنصب، فأين حملة الرسالة؟ فبكى، وسجل قصيدته شكوى وجواب، يقول وهو يبتهل إلى الله ويطوف:

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا

كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا

أما سار خالد بن الوليد على موج النهر؟!

أما ركب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقال للخيل -وكانت ثلاثين ألفاً-: [[يا خيل الله اركبي]] فسمعت الصوت فاقتحمت النهر، فجمد الله لهم النهر فساروا عليه، كما جمد الله البحر لموسى عليه السلام؟!

أما وصل عقبة بن نافع إلى أطراف المحيط وقال: [[والله لو كنت أعلم أن وراءك أرضاً لخضت بفرسي هذا المحيط، حتى أبلغ دعوة الله في تلك الأرض؟!]]

.

أما وقف عقبة بن نافع وهو في أرض أفريقيا، يتكلم في الغابات ويقول: [[يا أيتها الغابات! أخرجي وحوشك، وثعابينك، وذئابك، وسباعك، فإن معي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم]]؟! فوالله لقد خرجت الأسود من الغابة، وخرجت الثعابين، وزحفت الحيات، ثم سار بجيشه.

ولذلك يقول محمد إقبال:

بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا

دخلنا قبرص لا بجيش ولا بكتائب، أذن مؤذن المسلمين، فانقشعت كل قلاع قبرص، وأعلنوا الإستسلام ورفعوا أيديهم؛ لأنهم سمعوا الأذان.

بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا

لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا

كم سجدنا في أفريقيا! وكم سجد أجدادنا في سيبيريا وفي آسيا! ولكن حين تغير الحال وأتى أناس لا يسجدون لله، ولا يعرفون الله؛ فسلط الله عليهم أعداءهم، فساموهم سوء العذاب، واستذلوهم، وأهانوهم ومقتوهم أمام العال؛ لأن من لم يعرف الله يسلط الله عليه إنساناً لا يعرف الله سبحانه وتعالى، والذي لا يخاف الله يسلط الله عليه مجرماً لا يخاف الله عز وجل، فالله عز وجل يبتلي من لا يعرفه ولا يتقرب إليه بمن لا يعرفه ولا يتقرب إليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>