ويُروى أن رجلاً من بني إسرائيل نظر إلى مرآة وكان في شبابه وقد أطاع الله أربعين سنة، ثم أدركه الخذلان والحرمان والشيطان والطغيان فعصى الله أربعين سنة.
بعض الناس يحسن في الشباب ويسجد ويبكي ثم يسقط، والعجيب أنك تجد بعض الكبار يسافرون إلى مواطن نستحي من ذكرها على المنابر وعنده أسرة وعشرة أبناء وبنات، ويقطع تذاكر إلى بانكوك ليعصي الله في شيخوخته.
وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:{ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ} وفي لفظ: {أشيمط زان}.
شابت لحيته، ودنا قبره، وهو لا يزال يزني، فالله لا ينظر إليه ولا يكلمه ولا يزكيه ويدهدهه على وجهه في النار.
هذا الرجل من بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة، ثم انتكس على عقبيه، فعصى الله أربعين سنة، فصار عمره ثمانين، فنظر إلى المرآة فرأى الشيب قد ظهر في لحيته، فقال: يا رب! أطعتك أربعين، وعصيتك أربعين، فهل تقبلني إذا عدت إليك؟
فسمع هاتفاً يقول: أطعت الله فقبلك، وعصيت الله فأمهلك، وإذا عدت إلى الله تاب عليك.
من الذي قرع باب الله ولم يجد رؤوفاً رحيماً؟
وإنما المقصود: أن طاغوت الدنيا الذي ران على القلوب، وجعل العقول ذاهلة يستحي الإنسان إذا نظر إلى بعض المناظر والتهتك في الحطام والجمع، ثم حرص هذا الشيخ الذي بلغ الستين سنة، بل بعضهم مصاب بأمراض في جسمه، والمرض يدبغه صباح مساء وهو يدبغ في الدنيا، ولذلك لا يتلذذ بمطعوم ولا مشروب ولا منكوح، وهو وراء الجمع تجد مجلسه في قطع الأراضي والشيكات، والبساتين والحدائق؛ والسيارات والإجارات؛ والبيع والشراء؛ والإسمنت والحديد.
فيا عبد الله! ابذل واطلب الدنيا واجعل لها وقتاً، لكن كما قال الله:{وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[القصص:٧٧] أما أن تصرف هذه الأوقات والأيام والليالي للدنيا فكيف تلقى الله؟
يطرح الشيخ الكبير في القبر وليس عنده عمل.
أعرف وتعرفون في بعض المناطق شيوخاً كباراً في السن لما بلغوا الستين، لزموا المسجد وانتهوا إليه.