للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصحابة يتصدقون بالقليل والكثير]

وقف عليه الصلاة والسلام يطلب الأعطيات من الناس، فذهب أحد الفقراء من الأنصار يلتمس عطاءً فما وجد في بيته إلا حفنة من تمر، -كفاً واحداً من تمر- فحمله ودخل به المسجد، وإذا بالمسجد أصبح حلقةً من الناس ينظرون من يأتي بالأعطيات، فدخل بهذا غير خجلان ولا مستحٍ؛ لأن الذي يقبل العطاء هو الله، والقليل عنده كثير، فدخل بها والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فوضعها وسط المسجد وقال: {يا رسول الله! والذي نفسي بيده ما وجدت إلا هذا في بيتي، فقال عليه الصلاة والسلام: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت} فأخذ المنافقون يتغامزون في أطراف المسجد، يقولون: ماذا تغني هذه الحفنة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمع صلى الله عليه وسلم قولهم فما رد عليهم بشيء.

ودخل عبد الرحمن بن عوف يحمل أكياس الذهب والفضة حتى وضعها في المسجد وقال: {يا رسول الله! خذ هذا، قال: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت} فتغامز المنافقون وقالوا: "ما قصد بها إلا رياءً وسمعة".

ذاك فقيرٌ معدم لا تغني نفقته، وهذا رياءٌ وسمعة.

إذاً من الصادق عندكم أيها المنافقون؟ ومن المخلص عندكم أيها الكذابون؟ ومن المنيب عندكم أيها الدجالون؟ فأنزل الله فيهم: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:٧٩].

فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يكافئ العبد بما فعل؛ ولذلك كان شاهد هذه القصة ألا تحقر من المعروف شيئاً أبداً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.

ألا تعلم أن البسمة صدقة يكتبها الله لك عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! وأن الكلمة الطيبة صدقة، ولو أن تسقي أو أن تدلي لأخيك وتفرغ في إنائه من إنائك فإنه لك صدقة!

جاء مسكين إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها فسألها الصدقة، فبحثت في البيت فلم تجد إلا عنبة واحدة فدفعتها إليه، فقال أحدهم: ما تغني هذه العنبة؟ قالت: [[إن فيها ذرات كثيرة]] لأن الله يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧ - ٨]؛ بل شق التمرة يكتبها الله عزوجل عنده، وأصغر من ذلك الذرة الواحدة.

فأنا أدعوكم ونفسي إلى الاهتمام بهذا الشهر فإن: {الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} والله يغضب على العبد؛ من كثرة معاصيه ومخالفته، فيأتي العبد فيتصدق؛ فيرضى الله عنه من فوق سبع سموات؛ ولذلك كان أجود الناس -كما أسلفت- رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

يقول جابر كما في الصحيحين: {ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: لا، إلا مرة -وهذا في المسند -: سأله سائل فقال: لا، وأستغفر الله}:

وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياء وكرم

قوله للشيء: لا إن قلت: لا وإذا قلت: نعم قال: نعم

فنعم محمودة في فعل الخير، و (لا) محمودة في فعل الشر، يوم تدعوك نفسك للفحشاء فتقول: لا.

وتدعوك للبر فتقول: نعم.

فهذا هديه صلى الله عليه وسلم.

{نُسج له بردة -ثوب- فأتاه رجلٌ فقال: يا رسول الله! اكسني هذه فإني محتاج، قال: أنظرني قليلاً، فذهب إلى بيته -وما ملك إلا هذا الثوب- فتلفع بشيء من الكساء، ثم خرج بالثوب الجديد ودفعه إلى الأعرابي، فقال الناس: كيف تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له إلا هذا الثوب؟! قال: إني أرجو أن يكون هذا الثوب كفني، فكان كفنه} رواه مسلم، وهو عن جابر وعن سهل بن سعد في صحيح البخاري.

عباد الله: إن مشاريع الخير تدعوكم، وإن الفقراء ينادونكم، وإن المساكين ينظرون -بعد الله- إليكم، وإن المجاهدين يقفون على الغبراء يتلهفون إلى أموال المسلمين؛ وأعطياتهم، وتبرعاتهم، فهل من منفق؟ وهل من معط؟ وهل من متصدق؟ فوالله لا تتصدقون إلا لأنفسكم، ولا تدفعون إلا لرفع غضب ربكم عنكم، ولا توسعون إلا قبوركم، ولا تظللون إلا نفوسكم.

أسأل الله لكم أجراً كثيراً، ومغفرةً عامةً، وأسأل الله لي ولكم من العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الوقت أتمه، ومن الخير أعمه.

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.

اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم بصرهم بدينهم، اللهم وفقهم لاتباع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، ولنصرة دين نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفلسطين، اللهم رد لنا المسجد الأقصى يا رب العالمين، اللهم اجعله في حوزتنا، وطهره من أدناس اليهود؛ أعدائك وأعداء رسلك يا رب العالمين.

اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم وخذهم إليك يا رب العالمين واهدهم صراطاً مستقيماً.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ربنا تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>