للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على أهل الحرم واجب زائد على غيرهم]

ومن قضايا السورة أن علينا واجباً زائداً شرعياً خلافاً لغيرنا، علينا بمداولة البيت، وواجب آخر: أن نكون ناصحين مؤثرين في الناس؛ فإن الشعوب الإسلامية الآن تهبط في مهبط الوحي، وأتت لترى أبناء الحرم هل يحملون الرسالة؟! هل هم قائمون بأمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام؟! هل هم يأمرون أو ينهون؟! هل حملوا الميثاق حملاً صحيحاً؟! يأتينا الآن من كافة أنحاء العالم الإسلامي، وخاصة في مثل هذا الموسم، ومثل رمضان، ومثل الحج، فما هو واجبنا نحوهم؟

واجبنا أن ننقل لهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نتعاون معهم لِما يرفع الإسلام ويقويه، وأن نكون نحن وإياهم أسرة واحدة، وأن نقدم صورة جميلة عن الإسلام.

رأيتُ في كتاب عن سيرة شاعر باكستان محمد إقبال، يقول: إنه وفد إلى هنا يريد الحج، والبعيد عندما يسمع عن أهل الجزيرة فيظن أنهم على طراز طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وربما يُفاجأ إذا وجد العكس، أليس من المفاجأة أنك تجد أناساً من سكان الحرم يشربون الدخان بجانب الحرم، ويشربون الشيشة وقد حلقوا لحاهم؟! أما تفاجأ إذا رأيتَ أناساً من أهل الحرم يدخلون مسبلين ثيابهم؟! أما تفاجأ إذا رأيتَ نساءً ممن يدخلن الحرم، تدخل الواحدة منهن كاشفة متعطرة متجملة تفتن الرجال وهي تطوف وتسعى؟! أما تفاجأ أنك ترى البنك الربوي من أربعة عشر طابقاً بجانب الحرم؟! كلها مفاجآت تحزن المسلم، فيقول إقبال: أين التاريخ الذي كنتُ أقرؤه؟! أين أبناء الجزيرة وحَمَلة المبادئ؟!

فـ محمد إقبال أتى إلى مكة ورأى الناس أخذ يحدث نفسه يقول: أين أحفاد الخلفاء الراشدين؟! فالخلفاء الراشدون من هنا، محمد عليه الصلاة والسلام من هنا، والصديق من هنا، والفاروق من هنا، وعلي من هنا، وعثمان من هنا، وخالد من هنا، كل الأخيار من هنا، ففوجئ فيقول:

وأصبح عابدو الأصنام حماة البيت والركن اليماني

يقول: يا رب! أنت مننت على عكرمة وعلى خالد وغيرهما، كانوا يعبدون الأصنام، فهديتهم وأصبحوا يحفظون الحرم، فأين أولئك الملأ؟! أين أولئك النفر؟! أين أولئك السادة؟! وهناك قصائد طويلة قد ذُكرت في كثير من الأشرطة فلا أكررها.

فالمقصود: إن واجبنا كبير -أيها الإخوة- وأنه لا يكفي للإنسان أن يحج أو يعتمر فقط ويذهب ويكون سلبياً، وما ترى أضعف ولا أقل ولا أذل من إنسان يحمل عنده مبدأ ثم لا يخدم مبدأه، يحج ويعتمر ويطوف ويسعى ثم لا يأمر ولا ينهى ولا يؤثر، ولا يرشد ولا ينصح ولا يوجه، وتصوَّر لو أن هذه الألوف المؤلفة كانت تنصح وترشد وتهتم لَمَا بقي هناك منكر، وما بقي هناك فاحشة، ولتقلص الفساد: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:٦٣] وقد ذكر قبله سبحانه وتعالى فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩].

<<  <  ج:
ص:  >  >>