ومن آداب النصيحة عند أهل السنة أن تتثبت من الشيء المنقول إليك قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:٦] منهج رباني عظيم، شيء مقدس، يا لجلالة المنهج! يا لعظمة هذا المبدأ! يا مسلم! إن جاءك خبر فارصده وتأكد منه:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء:٣٦] وأنا -يا أيها الإخوة- أحذر من هذا الكلام الظاهر، من كثرة الشائعات في المجتمع المسلم، كلمات تنقل لا أساس لها، تثار بها الظغينة، ويؤسس بها الحسد والبغضاء بين المسلمين، ومصدرها شائعة كاذبة خاطئة.
أسألك -يا مسلم- بمن خلقك فسواك فعدلك، أسألك بمن جعل لك عينين ولساناً وشفتين؛ أن تعرف أنك إن لم تتثبت من الأنباء والشائعات، فسوف تضيع دينك ولا محالة، يأتيك خبر عن مسلم فعليك أن تتثبت هل قاله أم لا، تسأله وتحتاط حتى تكون على بصيرة؛ لأن الشائعات كثرت، لكثرة أهل النميمة، قال عليه الصلاة والسلام:{لا يدخل الجنة قتات} وفي لفظ: {نمام} وهو الذي يطلب المعايب، وهو الذي يأتي بالأراجيف بين الأحبة، وهو الذي يهدم المجتمع المسلم.
فمن آداب النصيحة عند أهل السنة: أنهم يتثبتون من الشائعات، حتى ينكروا أو يأمروا على بصيرة، فإذا أمروا ونهوا كانوا على قدم ثابتة مما قالوا ومما فعلوا، كان عليه الصلاة والسلام إذا أتته الأخبار؛ سأل وتثبت عليه الصلاة والسلام واحتاط حتى يبلغ به العلم اليقين صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول:{إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}[النجم:٢٨] وكثير من الناس إن يظنون إلا ظناً وما هم بمستيقنين، وقد رأينا بعض الناس يتقول على فضلاء ونبلاء، فإذا سألته: هل سمعته؟ قال: لا.
بل قال لي فلان، فتذهب إلى فلان؛ من قال لك؟ قال: فلان، فتذهب إلى فلان، فردك على فلان سند إسرائيلي من الإسرائيليات، معنعن بالمجاهيل والمناكير من أوله إلى آخره، أحاديث مبهرجة لا أساس لها من الصحة، وهذه وكالات أنباء عالمية، اسمها (وكالة يقولون) وهي تفسد القلوب، وتشتت بين الأرواح، وتأتي بالأخطاء للفضلاء والنبلاء، وتستحدث الخصومات، وتعتمل المعارك بدون أن يكون لها أساس.
قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه:{كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع} بعض الناس جالس بلا عمل على الرصيف، همه في أول النهار -لأن الناس في مدارسهم ووظائفهم- أن يوصل السيارات بعينيه، يأخذ السيارة من طرف الشارع فيوصلها إلى طرف الشارع الآخر، ويأخذ الثانية إلى صلاة الظهر هكذا، ثم يذهب إلى بيته ويستمع إلى الأنباء التي تدار في الساحة، وفي اليوم الثاني ينشر الأخبار الصباحية على المسلمين، وهذا لو أنه أخذ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يوم قال:{من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} اشتغل بخاصة نفسك، تركك ما لا يعنيك أفضل، وإذا لم تفعل خيراً لمسلم فكف أذاك عن المسلمين، فإنها صدقة تتصدق بها على نفسك.