قال:{ثم أيٌ؟ قال: ثم بر الوالدين} وإنما قدم بر الوالدين على الجهاد لسببين:
السبب الأول: أن الجهاد يتوقف على إذن الوالدين، فإذا لم يأذن الوالدان فلا جهاد، فلا بد لمن أراد أن يجاهد أن يستأذن والديه، إلا إذا كان الجهاد فرض عين ويكون كذلك في مسائل، أما إذا كان فرض كفاية فلا بد من إذن الوالدين؛ فإن لم يأذنا فلا جهاد، فمن أعظم الأعمال القيام على خدمة الوالدين كما نص الحديث هذا وغيره, كحديث النسائي بسند صحيح، جاء رجلٌ من أهل اليمن، فقال:{يا رسول الله! أريد الجهاد، قال: أمن والديك أحدٌ حي؟ قال: أمي، قال: الزم رجلها فإن الجنة عند رجلها} هذا لفظ النسائي، فلا جهاد إلا بإذن الوالدين في فرض الكفاية.
والسبب الثاني: أن بر الوالدين أعظم؛ لأن إعطاء الحق جهدٌ ومشقة، فهم أعطوك حقاً فلا حق لمن بر والديه، فلا يتمنن على والديه، ويقول: أنا فعلت وصنعت وأتيت وذهبت، فو الله! ما فعل شيئاً إلا رد الحق، رأى ابن عمر رجلاً يطوف بأمه في حرارة الشمس على ظهره وهو يزفر، قال:[[يا بن عمر! أأديت حقها؟ قال: لا والله ولا بزفرة من زفراتها]].
قال:{ثم أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله} الجهاد في سبيل الله على درجات، أعظمها أن يخرج المسلم بجواده -إذا كان له جواد- فيهراق دمه ويعقر جواده ويذهب ماله، هذا الجهاد في سبيل الله، وهو يختلف إذا كان فرض عين فهو أعظم، وفرض الكفاية يليه في المرتبة، قال:{حدثني بهن ولو استزدته لزادني} وفي لفظ: {ما تركته إلا إبقاء عليه} أي: خوفاً عليه صلى الله عليه وسلم من كثرة الحديث والمشقة، انظروا إلى لطف التلميذ بشيخه، وانظروا إلى تقدير الصحابة للمعلم عليه الصلاة والسلام، ما زاده على ثلاثة أسئلة، وهذا من عقل ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأن الأسئلة تنتهي في العادة إلى ثلاثة، والضربات إلى ثلاث، والكلام إلى ثلاث.