ما المقصود بالغربة في قوله صلى الله عليه وسلم:{بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ}؟
الجواب
أولاً: كلمة بدأ نُطِقَت عند المحدِّثين: بدأ، بالهمز، ونطِقَت بألفاظ صحيحة: بدا، من الظهور، وبدأ: من الابتداء شيئاً فشيئاً، والبدوّ من الظهور، كما قال عمر بن أبي ربيعة:
ولَمَّا قطعنا المِيلَ من بطن رابغٍ بَدَتْ نارُها بيضاء للمتنوِّرِ
فإن كان معنى بدا: يعني: ظهر للناس فجأة فكان غريباً، أي: غريب على الأنفس، وغريب على الناس، وغريب في الآفاق؛ لأنهم ما عهدوه، غريب في حكمهم، وفي اعتقادهم وعبادتهم، وفي أدبهم وسلوكهم.
وإن كان بدأ، بالهمز، فمعناه: بدأ قليلاً قليلاً، فكان غريباً وأصحابه غرباء، فابتدأوا غرباء مساكين، واحداً فواحداً، حتى اجتمعوا جماعة، فانتهت الغربة.
والغربة في أول الإسلام غربة استمرت نسبية حتى قضى عليها النبي عليه الصلاة والسلام وأنهاها، وما مات إلا والإسلام عزيز، والكفر هو الغريب، فلما مات بدأ الكفر يمد جذوره.
ولا بد أن يتنبه دعاة الإسلام لأمرين اثنين:
أولاً: قضية أن الساحة تصفى للإسلام، وأن العالم سوف يكون للمسلمين؛ ليس بصحيح، الكفر لا بد من وجوده، وهذه من السنن الكونية القَدَرية، قال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ:١٣] أي: أن الكثير لا يشكرون الله، لكن لا بد للإسلام من أرض، فلا ينمو في أذهانهم نهاية الكفر كله، ولو أن هذا ما نتمناه ونريده.
القضية الثانية: لا يحمل دعاة الإسلام على وجود الغربة أن ينزوون، ويلتفون على أنفسهم، ويقبعون في بيوتهم ويقولون: الله المستعان! ما دام أنَّا غرباء؛ فقد اغترب هذا الدين، ولا نصر لهذا الدين وانزوى هذا الدين، لا هذه نظرية خاطئة؛ لا بد أن يبذلوا جهدهم وجاههم ومالهم وكلماتهم؛ فإن الحق سينتصر بإذن الله.